المعلومات الواردة فى هذه السطور، مصدرها حوار مع مسؤول كبير فى موقع سيادى مهم، ورغم أنه تفضل وترك لى حرية ذكر اسمه، أو إغفاله، إلا أنى فى اللحظة الأخيرة فضلت ألا أشير إلى الاسم صراحة، لسبب وجيه، هو أنى أريد أن أصل من خلال هذه المعلومات، إلى معنى من المعانى، ولا أريد ألا يسبب هذا المعنى حرجًا للرجل الذى أحترمه وأقدره! وكنتُ قد قلت، فى عمود سابق، إن الاتحاد السوفيتى قد انهار عام 1991، لأنه كان قد أثقل نفسه ب«فواتير عادية» يدفعها، وكانت تستنزف قوته أولاً بأول، خصوصًا أنه كان قد اتجه بأغلب ميزانية الدولة إلى الإنفاق على المؤسسات السيادية، وأغفل إلى حد بعيد، الإنفاق على ما سواها، من تعليم، وصحة، وغيرهما.. وحين جاءت لحظة الحقيقة، ثم لحظة مواجهة النفس، كان الانهيار هو البديل الوحيد المتاح! وتقدير المسؤول الكبير، أن سقوط الاتحاد كان له سببان، أولهما أن موسكو كانت قد انخرطت فى سباق الحرب الباردة مع واشنطن، وكان إجمالى الناتج القومى للاتحاد السوفيتى يمثل ربع الناتج القومى فى الولاياتالمتحدة، وكان عليه فى الوقت ذاته أن يجارى أمريكا فى إنفاقها العسكرى، بما يعنى أنه كان ينفق على سباق التسلح ما يفوق قدراته بكثير، كدولة، فإذا قورن حجم إنتاجه القومى، بحجم إنتاج الولاياتالمتحدة القومى، كان لنا أن نتصور حجم العبء الذى كان واقعًا عليه، وعلى ميزانيته على وجه الخصوص!.. ثم إذا عرفنا أن انهيار الاتحاد السوفيتى قد كشف عن أن إجمالى إنتاجه القومى لم يكن فقط ربع مثيله فى الولاياتالمتحدة، وإنما كان يمثل السدس، أدركنا على الفور، إلى أى مدى، كان الاتحاد يمضى فى طريق يستحيل أن يواصل فيه! وكان السبب الثانى متمثلاً فى حجم إنفاقه العسكرى المقتطع من إجمالى ناتجه القومى.. فالولاياتالمتحدة كانت تنفق من 3 إلى 5٪ تقريبًا من إجمالى ناتجها القومى، على السلاح، وكانت النسبة ترتفع أو تنخفض حسب تورطها فى حروب خارجية، أو عدم وجودها طرفًا فى حروب من هذا النوع.. وكان الاتحاد السوفيتى، فى المقابل، ينفق 30٪ من إجمالى ناتجه القومى على السلاح، ولما انهار تبين أن النسبة كانت 50٪ مرة واحدة! طبعًا، كانت واشنطن تعرف ذلك جيدًا، وكانت تعرف أن وضعًا كهذا ينهك منافسها إلى حد الإعياء، وحين أرادت أن تنتقل به من الإعياء إلى السقوط على الأرض، عملت مع السعودية، ابتداء من عام 1985 على الهبوط بسعر البترول عالميًا، حتى وصل إلى 8 دولارات للبرميل، فانهار عائد موسكو من صادرات البترول، ولم يأتْ عام 1991، إلا وكان الاتحاد على الأرض عاجزًا عن فعل شىء! ولسنا فى حاجة إلى جهد كبير، لكى نلفت النظر، إلى أن أولويات إنفاق الدولة المصرية، كانت ولاتزال مأخوذة عن الوضع فى الاتحاد السوفيتى، وقت وجوده، وهى أولويات مقلوبة، ولابد من إعادة النظر فيها، وتعديلها على الفور، لأن النتيجة الطبيعية لها، بوضعها الحالى، أن نكتشف، هذه الأيام، أن عددًا لا بأس به من طلاب المدارس، يتلقى تعليمه فى حظائر، ويتلقى عدد آخر تعليمه فى المقابر!