عندما يجلس المرء لمتابعة أخبار العالم كل مساء، يصعب أن يجد تفسيراً لسقوط قتلى وجرحى يومياً فى مدن العراق المختلفة، رغم انقضاء أكثر من ست سنوات على سقوط النظام الحاكم السابق، واحتلال القوات الأمريكية العراق «لإقرار الديمقراطية ومكافحة الإرهاب». يتكرر الخبر كل يوم، ويصبح الضحايا أرقاماً نسمعها ونعتادها، ويسقط السؤال بالتقادم فى غمرة انشغال الناس بأحوالهم. مسلسل «هدوء نسبى» هو واحد من عشرات المسلسلات التى عرضت فى مهرجان المشاهدة الرمضانى هذا العام، إلا أنه الأول والوحيد الذى يتناول درامياً ما جرى للعراق من أهوال قبيل سقوط نظام صدام حسين واحتلال القوات الأمريكية الأرض العراقية فى أبريل من عام 2003، ويقدم للمشاهد العادى صورة قريبة للواقع العراقى الذى يتحرك فيه ويشتبك معه أبطال القصة، وهم مجموعة من الصحفيين والمراسلين يعملون فى بغداد فى تلك الفترة، ويدفعون أثماناً مختلفة لتأدية عملهم تتراوح بين الاضطراب النفسى والموت. يقرّبنا «هدوء نسبى» من أوجاع العراقيين اليومية من خلال شخصيات درامية متنوعة، فى مقدمتها شخصية كاتب ومثقف عراقى وأسرته الكبيرة: زوجته المعلمة التى انضمت لزميلاتها لوقف نهب المدرسة التى كانت تعمل بها، وأولاده الذين منهم من قصّت شعرها الطويل حزناً، حينما سقطت بغداد فى أيدى الأمريكيين، ومنهم من عمل سراً فى تجارة السلاح، وأخوه الأستاذ الجامعى الذى ذهب عقله جراء التعذيب فى سجون النظام السابق. المسلسل أدخل المشاهد بيت هؤلاء العراقيين وغيرهم، وقرّبه من الالتباس المؤلم الذى مزقهم بين الارتياح للتحرر من نظام مستبد والفجيعة لانتهاك بلادهم وسقوطها فى أيدى قوات محتلة. «هدوء نسبى» يدخل عالم الصحفيين والمراسلين التليفزيونيين، الذى يبدو براقاً، ويسلط الضوء على أوراقهم الإنسانية والمهنية الشائكة، والمخاطر التى يتعرضون لها، لكنه من ناحية أخرى، يظهر الصحفيين بصورة مثالية كثيراً تقترب من صورة المناضلين الباحثين عن الحقيقة دون أى حسابات أو أجندات سياسية للمؤسسات الإعلامية التى يعملون بها، إلا أن المشاهد يجد نفسه يتغاضى طواعية عن تلك المثالية التى تهون مقابل تفوق العمل فنياً وجاذبيته، وكونه الأول الذى يطرق موضوع العراق ومن هذه الزاوية. كتب النص الدرامى ل«هدوء نسبى» الروائى السورى خالد خليفة (الذى وصل بروايته «مديح الكراهية» للمراحل النهائية لجائزة البوكر العربية 2008 ) وأخرجه تليفزيونياً الفنان التونسى شوقى الماجرى (الذى قدم من قبل مسلسل «الاجتياح» وحصل عنه على جائزة إيمى العالمية كما أخرج مسلسل «اسمهان») ويقوم بالبطولة فيه مجموعة من النجوم العرب من لبنان وسوريا والأردن وتونس، يتقدمهم النجم السورى عابد فهد، والنجمة المصرية نيللى كريم. يستحق الجميع فى مسلسل «هدوء نسبى» تحية كبيرة على الشجاعة والبراعة فى نقل قطعة نابضة من حياة العراق للمشاهد العربى، كما يستحقون التقدير، لأنهم أعطوا باجتماعهم معا فى عملٍ فنىٍ رفيعٍ كهذا معنىً ملموساً لما يجب أن يكون عليه «العمل العربى المشترك» الذى يتردد الحديث عنه فى المحافل السياسية دون وجود أفعال تترجمه فى الواقع.