ارتضيتك سيدا أثيريا يرحل بى خلف الأعوام.. وهمًا يسامر وحدة الروح فى مساءات غربة.. عباءة تخلعها على عرى الأيام.. شمسًا تقتحم أوكار الباطل وعتمة الضمير.. قمرًا يضىء ليالى الصبر المتقلبة على مسامير المجهول.. نهرًا مقدسًا ومغتسلاً لخطايا الولاء.. صحوة للمنتشين بخمرة الضياع.. ظلاً أتفيّأ به من لظى الوجد.. مأوىً من رصد الحاقدين.. حُلمًا يسافر بى على غيمات النقاء.. همسًا معطرًا بأنفاس الشوق.. شموخًا يُخْرِس الألسنة البلا حياء.. سوطًا ينهال على جسد الظلم.. حقيقة تُسقط أقنعة وجوه صفراء وغرور مرتعشٌ من صقيع الضعف.. ارتضيتك رمزًا لكل صفات الفرسان.. مفتاحًا لأسرار المحظور.. سندًا ومتكأً من عثرة خيلاء.. درعًا ووقاية من طعنة خبث.. ارتضيتك سيدًا وحَكَمًا بينى وبين قراصنة بوابات الأوطان.. شاهدًا، وحاكمًا عدلاً بين الأمة وثلاثين مليون مهاجر ومهجّر إلى حيث الأمان وحيث لا فقر وحرمان ولا قهر ومعاناة.. هناك بعيدًا فى طريق اللاعودة إلى الأوطان.. ارتضيتك صوتًا مدويًّا ينطلق من حنجرة الخرس يوقف صداه سيل أرصدة واستثمارات تتعدى ال 800 مليار لتصل 2000 مليار من الدولارات بعد أربعة عقود.. يصب نصفها فى بنوك سويسرا والنصف الآخر بين ماليزيا وبنوك العالم هربًا من ضآلة الأسواق وفقر الخبرات ومرارة (البيروقراطية) المتمطية على مكاتب مسؤولى إجازة مشاريع الاستثمار. ارتضيتك حنانًا يكفكف دمعة الوطن على أربعمائة ألف من العقول المهاجرة مكلفة إياه مائتى مليار من الدولارات لتنعم البلاد الأخرى بثمار إبداعاتهم العلمية المرتوية بالاهتمام وتوفير مقومات البحث من أموال ومختبرات، وفرق عمل جاد ومناخ بلا أعاصير غيرة، ولا زوابع إحباط وأشباح ظلام متأهبة للانقضاض على النجاح والتهام الجهد..تربة صالحة مجهزة لاحتضان الذكاء العربى والطاقات الكامنة داخل العقول لتتفجر نظريات تبهر العالم.. فهل فى العالم من لايعرف (الدكتور أحمد زويل الفائز بجائزة نوبل؟؟) وهل هناك من لا يعرف العالم الدكتور (مصطفى السيد) الحاصل على أرفع وسام أمريكى فى العلوم؟، و(الدكتور فاروق الباز) وجراح القلب (الدكتور مجدى يعقوب)، وغيرهم من مصر ومن العالم العربى ممن لم تسلط عليهم الأضواء ولم تستثمر جهودهم العلمية؟ ومن ينكر خيبة أملهم وعدم الاستجابة لهم حين تقدموا بمشاريعهم لخدمة الوطن؟..بينما الأعلام وأصحاب الملايين يروّجون للأبحاث الفنية المطورة فى مختبرات العرى والحفلات الأسطورية والفضائح اللا منتهية. ارتضيتك ترياقًا لداء التخلف والجهل، والخلافات، وعبودية القوة، وسطوة المال، وضعف الإرادة، والكسل، والاستهتار، واللامبالاة، والخيانة والجشع، والنفاق، وضياع الهدف بين المعوقات.. وتغييب الطموح فى خمر المتعة أو صلبه على خشبة الحاجة.. وتخبط الثقافة بين اليوم وبين (أيديولوجيات) الأمس البالية. ارتضيتك فجرًا يبزغ على ليل اليأس يوقظ الشباب من أحلام الهجرة المتربعة على أرصفة السفارات.. يستفز طاقاتهم.. ينشر ضياءه على صفحة الغد القادم على سفائن الأمل المحملة بالبشائر. ارتضيتك ماردًا يستعيد بوابات الوطن المسروقة.. تمنع زحف القوافل المهاجرة وراء المستحيل وتصد جحافل التغريب القادمة على أجنحة التخلف الحضارىّ.