المكاشفة أو(الجلاسنوست)، كما سماها الزعيم السوفيتى السابق جورباتشوف، هى أول خطوة لعلاج أى أزمة. ذلك ما يجعلنى أدعو لفتح ملفات قطاع السياحة الذى يعانى مشكلات كفيلة بتدهوره تماما.. لنعترف بأن دولا، مثل تركيا وتونس وإسرائيل، لا تمتلك ربع ما لدينا من آثار وشواطئ ومحميات طبيعية، لكنها تنطلق بسرعة الصاروخ وبأسس علمية نحو (الهيمنة السياحية) فى المنطقة!.. الاعتراف بهذا الواقع ليس بهدف ندب الحظ وسكب الدموع، بل هو مدخل لتغيير دستورنا السياحى، القائم منذ زمن بعيد على حلاوة شمسنا وخفة دمنا والجو عندنا الذى هو ربيع طول السنة! فى الأسبوع الماضى استعرضنا بعض المشاكل التى كثيرا ما تواجه السائح فى بلادنا، مثل النصب (الشيك) الذى تلجأ إليه فنادق وشركات سياحية، وحوادث الطرق، والتحرش الجنسى! مؤكد أن المشاكل المذكورة وغيرها تقع فى أى بلد سياحى فى شتى أنحاء العالم، لكن الفرق أن ذلك يمثل (هناك) استثناء، أما(هنا) فيكاد أن يصبح قاعدة راسخة!.. ولكى تكتمل أركان المكاشفة فى هذه القضية يتعين أن نتوقف عند حالة اللامبالاة التى تسيطر على أولى الأمر فى قطاع السياحة، وكأن التحديات التى يواجهها هذا القطاع تخص جمهورية جزر القمر الشقيقة!.. الأمثلة عديدة ومتنوعة سأورد لكم أقربها: فى أواخر الشهر الماضى نشرت صفحات الحوادث خبرا يقول (عثرت أجهزة الأمن بجنوب سيناء على جثة السائح الروسى بوريس مكسيموف فى هوة عميقة بجبل موسى فى سانت كاترين.. وكان السائح البالغ من العمر 18 عاما يقضى إجازة بصحبة والدته، عندما اختفى يوم 15 أبريل.. وتفيد المصادر الأمنية بأن السائح سقط فى الهوة أثناء صعوده الجبل ضمن فوج سياحى، وقد بذلت أجهزة الإنقاذ محاولات عديدة للبحث عنه طيلة ستة أيام استخدمت خلالها طائرات الهليكوبتر، واستعانت بأفراد من البدو العارفين بتضاريس المنطقة).. ذلك ما نشر فى مصر، أما فى روسيا فقد حظيت الحادثة بتغطية مختلفة، ركزت على تقصير الأجهزة المعنية بالبحث، واتهمت المسؤولين عن تلك الأجهزة بابتزاز والدة السائح على طريقة (موت وخراب ديار)!.. تقول صحيفة (موسكوفسكى كومسوموليتس) واسعة الانتشار فى عدد 23 أبريل الماضى (لم يساعد المصريون فى البحث عن بوريس، ونسبوا لأنفسهم بطولة العثور على جثته، رغم أن الفضل فى ذلك يعود لمواطنين روسيين، من هواة تسلق الجبال، يعملان فى مصر وعلى دراية كبيرة بجبل موسى!.. لقد تلكأت أجهزة الإنقاذ فى أداء واجبها، ورفضت استخدام هليكوبتر إلا بعد أن أرغمت والدة مكسيم على دفع 14 ألف دولار مقابل ساعتين من التحليق وقد عانت تلك السيدة فى الحصول على المبلغ، وقامت بجمعه من أقاربها فى روسيا ومن تبرعات لسائحين روس فى مصر، رغم أن القواعد الدولية تفرض على الجانب المصرى القيام بذلك مجانا.. كما أصيبت والدة مكسيم بصدمة عصبية نتيجة إجبارها على معاينة جثة ابنها للتعرف عليه، بعد أن رفضت السلطات المصرية انتظار وصول شقيق مكسيم من روسيا للقيام بذلك!).. ليس بالضرورة أن تكون الصحيفة الروسية صادقة تماما فى روايتها، لكن المؤكد، حسب مصادر عديدة، أن والدة السائح دفعت بالفعل 14 ألف دولار نظير استخدام الهليكوبتر لساعتين، وأن وزير السياحة على علم بذلك.. فهل يتحدث سيادته لتوضيح ملابسات هذا الموضوع المسىء لسمعة مصر، أم سيزيد بصمته الطين بلة؟! [email protected]