ما أن تطأ قدماك منطقة الزرائب بمنشأة ناصر حتى تقع عيناك على الكردون الأمنى الذى أقامته الحكومة هناك لمتابعة دخول وخروج السيارات نصف النقل والنقل للتأكد من عدم وجود أى عمليات تهريب للخنازير خارج المنطقة.. يبدو المشهد للوهلة الأولى وكأن المنطقة تحولت إلى ثكنة عسكرية تحيط بها سيارات الشرطة من كل اتجاه، ولكن ما أن تدخل إلى داخل المنطقة حتى يفاجئك مشهد مختلف تماماً، فالمقاهى هناك امتلأت عن آخرها بأصحاب زرائب الخنازير الذين لم يجدوا ما يفعلونه أثناء عملية ذبح وإعدام الخنازير التى كانت مصدر رزقهم، إلا أن يجتمعوا على تلك المقاهى لعل التفافهم وحديثهم معاً حول المشكلة نفسها يقلل من تأثيرها فى نفوسهم، ولا حديث لهم فى تلك المنطقة إلا عن عمليات الإعدام وعن المستقبل المجهول الذى ينتظرهم بعد أن تنقرض تلك المهنة التى يزاولونها منذ نعومة أظفارهم، وعن الديون التى يلاحقهم بها تجار الخنازير الكبار وكيف سيسددونها لهم، السيارات تخرج محملة بعشرات الخنازير لتعود خاوية بعد تنفيذ عمليات الإعدام، ويلتف الجالسون حول ذلك العائد من المجزر يواسونه ببعض الكلمات التى يعلمون أنها لن تقلل من حجم المأساة. ويرى أشرف فايز، صاحب إحدى الزرائب، أن المشكلة ليست فى القرار الذى اتخذته الحكومة بإعدام الخنازير، ولكن المشكلة الأكبر فى عواقب هذا القرار، أشرف وأسرته المكونة من 8 أفراد يملكون ما يقرب من 1000 خنزير، تم إعدام 200 منها حتى الآن، ولكنه لم يحصل على لحوم أى منها حتى تلك اللحظة، يقول أشرف: اتفقوا معنا فى بادئ الأمر أنهم سيعطوننا 50 جنيهاً عن الجرو الصغير و250 جنيهاً على الخنزير العشر، ولكننا فوجئنا بأنهم توقفوا عن عمليات الذبح وأخذوا يعدمون كل الخنازير التى نذهب بها إليهم ويعطوننا فى مقابل كل رأس أياً كان نوعه 50 جنيهاً فقط». وهنا استوقفه مرجان، صاحب أحد الخنازير قائلاً: «لا توجد ثلاجات كافية لديهم لذا من الصعب عليهم أن يذبحوا كل الخنازير الموجودة هنا، ونحن متأكدون من أنهم سيأتون بعد ذلك ليقولوا لنا إن الثلاجات التى كانت تخزن فيها اللحوم أصابها عطل ما وأن اللحوم فسدت ولا دخل لهم بذلك». وعلى الرغم من أن أمل محمد سعيد لا تعمل فى مهنة تربية الخنازير فإن شعورها بالأسى لقرار إعدامها لا يقل عن أصحابها أنفسهم، والسبب يرجع إلى أن «أمل» تعمل فى مهنة جمع القمامة منذ ما يزيد على عشرين عاماً، وهذا القرار سيحول حياتها إلى «جحيم» على حد قولها. الكثير من سيارات القمامة هناك تقف دون حركة منذ أن بدأت عمليات إعدام الخنازير، وهذا يعود حسب كلام الأهالى إلى أنهم لا يعلمون ما الذى سيفعلونه بالقمامة التى سيجلبونها من المناطق الأخرى من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنهم كانوا قد حاولوا بالفعل جلب القمامة ولكن السكان رفضوا استقبالهم ونعتوهم ب«حاملى الفيروس» وهذا ما جعلهم يفضلون ألا يقوموا بذلك من جديد منعاً لتعرضهم للإحراج أو المضايقات.. يقول سمعان فايز «26 عاماً»: «أعمل فى مهنة جمع القمامة منذ كنت فى السادسة من عمرى ولا أعرف غيرها، فأنا لم أنل أى قسط من التعليم، لذا فإن قرار الحكومة بمنع تربية الخنازير سيعرضنى أنا و4000 شاب يعملون بتلك المهنة فى منطقة منشأة ناصر إلى الضياع، خاصة أننا لا نستطيع العمل فى أى من شركات النظافة التى لا تزيد فيها الرواتب على 400 جنيه».