قال لى صديق أمريكى إن الحراسة الموضوعة على الرئيس أوباما تبلغ من حيث الحجم ثلاثة أضعاف الحراسة، التى كانت تحيط بالرئيس بوش، وذلك لأن السلطات تخشى على أوباما من المتهوسين بالعنصرية البيضاء والرافضين أن يحكم أمريكا رجل أسمر كما تخاف عليه من المتطرفين الدينيين الذين يرفضونه كرئيس ترجع أصول أبيه إلى المسلمين، عندما سألت صديقى القادم فى زيارة قصيرة إلى مصر، وهل هناك مصادر أخرى للخطر على أوباما؟ أجابنى نعم هناك ولكن بدرجة أقل، وهى سياساته الداخلية المعنية بمصالح الطبقات الضعيفة والحد من جشع الطبقات الثرية، كان هذا التنوير ضروريًا لى لأدرك أن أوباما الطيب الذى يؤمن بالعدالة الدولية وإنصاف الشعوب المقهورة من ناحية وبالعدالة الاجتماعية لإنصاف الشرائح المظلومة يمكن أن يدفع ثمن طيبته بالتعرض لمؤامرات الأشرار العاشقين للقوة بالمفهوم النازى العنصرى. إنه مفهوم شرير ليس فقط بمعايير الأخلاق، ولكن أيضًا بمعايير الحس الإنسانى السليم الذى يرفض عجرفة الإنسان على أخيه الإنسان لأسباب دينية أو عنصرية أو جنسية، كما يرفض تسلط الأقلية على الأغلبية سواء فى مجال احتكار الثروة والسلطة أو فى مجال قمع حريات التفكير والتعبير أو فى مجال التحقير للضعفاء وتهميشهم وأحيانًا إبادتهم، لقد سعدت كمصرى بقرار الرئيس أوباما الطيب بأن يلقى خطابه للعالم الإسلامى من القاهرة، وأسعدنى قول المتحدث باسم البيت الأبيض «إن مصر قلب العالم الإسلامى» كما أسعدنى ما نشرته «المصرى اليوم» من تصريحات خاصة لهشام علاء، مراسل الصحيفة، على لسان المصرية الأمريكية داليا مجاهد، مستشارة أوباما لشؤون العالم الإسلامى، لقد أكدت أن اختيار العاصمة المصرية كان اختيار الرئيس وحده الذى تلقى نصائح من مستشاريه حول عدة عواصم منها جاكارتا وأنقرة وأنه رأى فى القاهرة ما لم يره فى أى عاصمة إسلامية أخرى، حيث أثبت أن مصر لا تزال تتمتع بثقل سياسى ودينى يجعلها منارة تتوجه إليها أنظار الجميع، لقد دار فى ذهنى سؤال كبير يهمنى أن أشرك فيه القراء وهو سؤال يقول: هل جاء أوباما لمصر لأن لها دورًا قويًا ومؤثرًا فى محيطها العربى والإسلامى بحكم التاريخ، إنها القوة التى جمعت بين الإسلام والمسيحية فى إطار من الملكية المشتركة للوطن واحتوى كتاب سيرتها على فصول غالبة فى حكم السنة وانتماء مسلميها لأهل السنة وفصل فى الحكم الشيعى الفاطمى كما كانت العنصر الحاسم والقوة القاهرة القادرة على إنقاذ الحضارة الإسلامية والإنسانية من الخطر الداهم الذى مثله المغول والتتار الهمج، وبعبارة أخرى هل اختار أوباما، الطيب، القاهرة لرمزيتها التاريخية الثرية؟.. أم أنه اختارها لقدرتها على أداء دور حالى بارز فى إشاعة قيم الاعتدال الإسلامى والمسيحى ومكافحة ميول التطرف وتحجيمها، هل اختارها باعتبارها صاحبة الشعب الذى يجسد بمعتقداته وثقافته وتنوع سلالته خلاصة التطور الدينى والثقافى والحضارى والسلالى على هذه البقعة الأقدم دورًا فى إطلاق فجر الحضارة الإنسانية.. وبالتالى فهو الشعب القادر فى العصر الحديث على تجسيد قيم احترام الأديان وحقوق الإنسان وقيم المساواة وتكافؤ الفرص المزروعة فى الحديث النبوى الشريف: «لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى»، أم ترى أنه اختارها لقدرتها على أداء دور مستقبلى فى حياة العالم المعاصر، إنه دور يتسع لحل الصراعات القومية وإحلال السلام الشامل والعادل للصراع العربى الإسرائيلى وهو دور يتسع لمحاربة ازدواج المعايير وإرساء معايير موحدة للتعامل مع حالات الظلم والقهر، التى تمارسها النظم السياسية ضد شعوبها أو شعوب مجاورة، وهو دور يتسع لبناء نموذج ديمقراطى يتطور أداؤه بانتظام وبثبات طبقًا للمعايير الدولية المعتمدة للحكم الديمقراطى الرشيد دون إملاءات من الخارج وهو دور يتسع لبناء نموذج دولة عصرية قادرة على تطوير نظمها التعليمية لتلحق بركب التعليم المتقدم وعلى تطوير قاعدتها العلمية وإعطاء الاهتمام اللازم لمجتمع العلماء تمامًا كما تفعل مع مجتمع رجال الأعمال، وهو دور يتسع لإرساء دور للدولة فى تنظيم الاقتصاد يوازن بين مصالح الطبقات ويحقق توزيعًا عادلاً للثروة الوطنية بنظم الأجور والمعاشات والتأمينات والخدمات الكفؤة المتاحة للطبقات العريضة. إنه دور يتسع لتعميق حقوق المواطنة فى مجال الممارسة وجذب القوى البشرية المهاجرة والتراضى مع القوى الساخطة. إذن هل اختار أوباما مصر لأحد الجوانب السابقة، أم من أجلها مجتمعة؟ لقد تكلم أوباما بالفعل عندما أعلن أنه قد اختار مصر، صحيح أنه قال كلمات قليلة، ولكنها تضم كل المعانى السابقة التى تجسدها رمزية مصر التاريخية ودورها الحالى ودورها المستقبلى فى الحضارة الإنسانية ومسيرتها. واسمحوا لى كأكاديمى متخصص فى الصراع العربى الإسرائيلى وككاتب يحلم مع قرائه بحلم السلام الإنسانى والعدالة الدولية بين الشعوب، والعدالة الاجتماعية داخل كل مجتمع وإرساء حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية أن أقول إننى أعلق أملاً كبيرًا على ظهور الرئيس أوباما الطيب على مسرح السياسة العالمية وفى القمة السياسية لعالمنا المعاصر. إن نماذج أخرى من الرؤساء والساسة الأمريكيين وغير الأمريكيين تؤمن بالقوة وتوظيفها كوسيلة للقهر والاحتلال والهيمنة على الشعوب، ولقد شاء سوء حظ البشرية أن يجسد الرئيس بوش هذا المفهوم للقوة خلال السنوات الثمانى السابقة مع اتساع واقع العولمة والانفتاح بين المجتمعات والدول، لقد أدى هذا إلى تسرب المفهوم الشرير للقوة إلى جميع مجتمعات العالم وبالتالى عمق الظلم الإنسانى تحت شعارات اقتصاد السوق وكذلك عمق انتهاكات حقوق الإنسان فى كل مكان محاكاة لنموذج جوانتانامو وسجن أبوغريب فى بغداد الذى أرسته الولاياتالمتحدة، لقد كان النموذج الأمريكى الذى يتشدق بإشاعة الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان والسلام العالمى والعدالة الدولية مناقضًا لكل هذه المعانى والقيم على مستوى الممارسة الفعلية، لقد وضع هذا النموذج الأمريكى السابق مصداقية الولاياتالمتحدة فى مهب الريح. اليوم أتمنى على الرئيس أوباما الطيب أن يتبع أقواله المُعبرة عن النوايا الحسنة - الكامنة فى تكوينه وشخصيته، التى انحاز لها حزبه الديمقراطى باختياره مرشحًا رئاسيًا له وانحازت لها غالبية الشعب الأمريكى بأفعال تؤكد هذه الأقوال وتعيد للبشرية أملها الضائع فى العدالة الدولية والعدالة الاجتماعية والمساواة واحترام الأديان ومشاركة الإنسان للإنسان فى خيرات الأرض وقيم الحرية وحقوق الإنسان.