ذكر التقرير السنوى الخامس للمجلس القومى لحقوق الإنسان أن عام 2008 تميز بانتشار عدد من الظواهر السلبية الجديدة، أبرزها الانفلات السلوكى فى الشارع المصرى، وما صاحبه من تزايد حالات التحرش الجنسى الفردى والجماعى على نحو لا سابق له، وزيادة حدة العنف المصاحب لجرائم القتل والشروع فيه «على نحو غير مألوف فى تاريخنا القديم والحديث». وانتقد التقرير الذى تم الإعلان عنه خلال مؤتمر صحفى أمس بمقر المجلس، استمرار حالة الطوارئ و«غلبة الهاجس الأمنى على الجانب الحقوقى» بمصر، مشيرا إلى أن مسيرة الإصلاح السياسى على المستويين التشريعى والمؤسسى لم تبلغ بعد الحد المأمول الذى يتطلع إليه المجتمع المصرى، و«الذى مازال يعانى من تواضع إن لم يكن تدنى مستوى المشاركة السياسية»، مدللاً على ذلك بضعف معدلات الإقبال على الاقتراع فى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية. وأكد التقرير، الذى يغطى حالة حقوق الإنسان فى مصر خلال عام 2008 والربع الأول من عام 2009، أن تلك الفترة «لم تخل من المنجزات والتجاوزات وربما المفارقات فى مسيرة دقيقة ومعقدة لحقوق الإنسان فى المجتمع المصرى»، مشيراً إلى أن هناك حراكا سياسيا إيجابيا وملحوظا، لكن «حالة الطوارئ مازالت معلنة وأحكام قانون الطوارئ مطبقة». ولاحظ التقرير أن الملمح الأخير لحالة حقوق الإنسان فى المجتمع المصرى خلال العام المنصرم يتمثل فيما كشفت عنه شكاوى المواطنين التى تلقاها المجلس، حيث كانت المعاناة الاقتصادية والاجتماعية هى سبب أكثرية الشكاوى بنسبة تتجاوز 70%، بينما كانت الشكاوى من مخالفات لحقوق الإنسان المدنية والسياسية بنسبة 9.1%، معتبرا أن ذلك يكشف عن تعقيد حالة حقوق الإنسان فى المجتمع المصرى، وأن الهموم المعيشية فى ظل الأزمات المالية والاقتصادية العالمية المتلاحقة وانعكاساتها المحلية تمثل لعموم المجتمع المصرى حساً حقيقياً لا يقل وطأة عن مخالفات وانتهاكات حقوقه المدنية والسياسية. ورفض التقرير استمرار المحاكمات ذات الطابع الاستثنائى بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، أو فى سياق قانون الطوارئ التى تفتقد شروط العدالة وفق المعايير العالمية، منتقداً استمرار «الممارسات غير القانونية فى أخذ رهائن من أسر المطلوبين لإجبارهم على تسليم أنفسهم، واحتجاز مشتبه فيهم فى أماكن غير معلومة دون إخطار ذويهم أو محاميهم وظهور حالات اختفاء لمحتجزين». وأكد التقرير أن الكثيرين صُدموا لما طال أسراً بهائية فى صعيد مصر من «أذى ومكروه بحرق ديارهم، ثم بالطرد من قريتهم بحماية أمنية»، محذراً أن ذلك يزيد من تنامى نزاعات التعصب والرفض للآخر ويضرب مبدأ المواطنة الذى كفله الدستور ويحميه القانون فى الصميم. وذكر التقرير أن الاحتقان الطائفى بين المواطنين المصريين والمسلمين أفضى إلى تحول العديد من الاحتكاكات الاجتماعية الطبيعية إلى إحداث طائفية تهدد وحدة النسيج الوطنى والسلام الاجتماعى، الذى يحرص عليه المجتمع المصرى بمسلميه وأقباطه، مشدداً على أن الحل هو تأكيد حقوق المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص. وطالب التقرير بإعطاء اهتمام خاص لسيناء فى حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها المواطنون هناك، وبناء «جسر بين المعالجات الأمنية، والمعالجات السياسية الضرورية وتعزيز خطط التنمية فى سيناء بما يستجيب لاحتياجات السكان». وشدد التقرير على أن مقتضيات الحفاظ على أمن الوطن لا تتناقض مع اعتبارات حماية حقوق المواطن، لافتا إلى أن التوازن بينهما يظل دائماً ممكناً وواجباً مثلما تبرهن على ذلك تجربة المجتمعات المتقدمة. وأوصى التقرير بإنهاء إعلان حالة الطوارئ، ودعا إلى تحسين الظروف المعيشية والصحية فوراً للسجناء والمعتقلين والمحتجزين واحترام كرامتهم. من جانبه، قال الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقد بمقر المجلس لإعلان التقرير، إنه المسؤول عن تأخر صدور التقرير لإجراء بعض التعديلات عليه. وشن أبوالمجد هجوما شديدا على الصحفيين ووسائل الإعلام بشأن انتقاداتهم المستمرة للمجلس ونشاطه، قائلاً: «هناك نوع ثالث من الأنفلونزا وهو أنفلونزا الإثارة، وما تنشره الصحف على أنه انفرادات هو نوع من العبط»، مما أثار حفيظة عدد كبير من الحضور.