روجينا فتاة مصرية فى السنة الرابعة بمعهد الفنون المسرحية ليست ثرية ولا دخل لها إلا أنها من جيبها ومن مصروف يدها ومن المساهمات الصغيرة لأهلها قررت أن تنتج فيلماً تسجيلياً قصيراً تصرخ فيه من وقائع التحرش الجنسى فى الشارع المصرى، هى لا تستطيع أن تكتب أو تخطب أو تظهر على شاشة التليفزيون فلا أحد يعرفها، فقررت أن تقدم عملاً فنياً تقول فيه انتبهوا أيها السادة، انتبه يا مجتمع يا ناس يا هوه الشارع المصرى لم يعد آمناً ولا مؤدباً ولا مراعياً لحرمة المرأة، عرضت الفكرة على أصدقاء لها فتحمس الجميع أولاداً وبنات لأن يشاركوا بالتصوير والتمثيل والمونتاج دون أجر، وقامت هى بكتابة السيناريو والإخراج، وكان الناتج عملاً بسيطاً لطالبة وفنانة مبتدئة ومتحمسة لكنه يحمل معنى كبيراً وفكرة عميقة، اسم الفيلم (ملكية خاصة) اسم يبدو غريباً وبعيداً عن الموضوع وذلك من أول وهلة، ولكن من ثانى وثالث وهلة ندرك مع روجينا المعنى المستتر وراء العنوان يبدأ الفيلم باستعراض لمانشتات الجرائد التى صدرت هذه السنة والسنة الماضية عن وقائع التحرش الجنسى الجماعى والفردى فى شوارع القاهرة وأشهرها واقعة العيد وواقعة شارع جامعة الدول العربية، الجرائد تسجل بالفعل ما يحدث فى الشارع ولم يختلقها خيال فنان، ثم فتاة من أسرة بسيطة تنزل إلى الشارع فى طريقها إلى عملها بائعة فى أحد المحال تلبس أزياء عادية «بنطلون وبلوزة» فتتعرض للتحرش الجسدى واللفظى ترد وتصرخ وتستغيث وتعود إلى منزلها حزينة وتقرر تغيير الزى وتصبح محجبة حتى تصرف الناس عنها ثم تنزل إلى الشارع وإلى الميكروباص وإلى المحل الذى تعمل به فتتعرض إلى التحرش من جديد، تعود إلى منزلها وتقرر أن تزيد من جرعة الاحتشام فتلبس إسدالاً طويلاً داكن اللون، ومن جديد يخذلها الشارع والناس والشباب وحتى الكبار سناً من الرجال وتتعرض للتحرش المهين لها ولكرامتها، تعود الفتاة إلى منزلها وتقرر أن المسألة ليست مسألة ملابس فهى فى كل حالاتها كانت محتشمة ومهذبة ومؤدبة لكن المسألة هى استهانة الشارع بالمرأة التى تسير فيه وربما يعكس ذلك مفهوماً جديداً ورد إلينا من بلاد الواق واق يحدد مكان المرأة فى منزلها فقط وبين الجدران ووراء الستار ومن تتجرأ وتنزل إلى الشارع فإن ذنبها على جنبها، حيث ستكون مستباحة ومباحة حتى من الأحداث والمراهقين والصغار. المهم نعود إلى الفيلم ، حيث اتجهت الفتاة إلى قسم للشرطة وطلبت من المسؤول أن يحرر لها محضراً، فيسألها ضد من؟ فترد: ضد المجتمع الذى يسمح ويسكت ويتستر على ما يجرى فى الشارع ضد النساء فينظر إليها متعجباً رافضاً تحرير محضر ويرد عليها: إن المحاضر والبلاغات لا تكون إلا ضد شخص معّين، ضد فرد بعينه، ولا بلاغ ضد مجتمع، تخرج الفتاة وتفكر ماذا تفعل؟ إلى من تلجأ؟ كيف يصبح التحرش جريمة، فعلاً قبيحاً ومستهجناً ومرفوضاً يعاقب عليه المجتمع ويجرمه القانون ويخاف الرجل، أى رجل، من الإقدام عليه؟ فكرت وذهبت إلى مصلحة الشهر العقارى فسألها الموظف: ماذا تريدين أن تسجّلى؟ ق الت: جسدى أريد أن أسجل ملكيتى الخاصة لجسدى، الملكية الخاصة مُصانة ومحترمة ويحميها القانون والمجتمع، لذا أردت أن أُسجل ملكيتى الخاصة لجسدى لا أحد يلمسه أو يقترب منه أو يتعدى عليه بالفعل أو القول، نظر إليها موظف الشهر العقارى نظرة عاقل لمجنون وقال: لا نسجل هنا إلا العقار أو الأرض أو حتى الأغانى، سألته وهل جسدى أقل أهمية من الأراضى والعقارات والأغانى، نظر إليها واحتار وتعجب ولم يفهم. وانصرفت الفتاة وهى أيضاً لا تفهم إلى متى سيظل الشارع المصرى على هذا الحال؟ إلى متى سيظل شَرَكاً ومصيدة وفخاً للفتيات والسيدات؟ كان آمناً ومحترماً ومؤدباً ولم يعد بَعد، الظاهرة تتنامى وتستفحل تحت مرأى ومسمع من الجميع لكن الناس لا تتحرك ولا تعترض ولا تتصدى، تكتب الصحف فقط وترصد التعدى الذى أصبح ظاهرة تعانى منها أى امرأة تسير فى الطريق أجنبية أو مصرية صغيرة أو حتى كبيرة بحجاب أو نقاب أو بملابس عادية، ظاهرة تعكس احتقاراً للمرأة وإقلالاً من شأنها وتعكس استهانة بالسلطات العامة فى المجتمع، بالدولة وممثليها فى الشارع المصرى الذين مهمتهم حماية المواطنين من التعدى لكنهم غير موجودين وإذا وجدوا فلم يعودوا- للأسف- يُرهبون أو يخيفون أحداً، شباب ضائع بلا تعليم أو تربية أو عمل يعيثون فى الشارع فساداً بلا رادع حقيقى، لكن كم من بلاد فقيرة شارعها مؤدب وأناسها مهذبون. سألت روجينا: لماذا يستمر هذا التحرش فى الشارع المصرى؟ قالت: لأنه لا إحساس بالانتماء لدى الناس لهذا البلد أو لهذا الشارع أو لهذا المكان، البلد مش بلدهم ولا الشارع شارعهم ولا شىء فى البلد ملكهم فليخربوا كل شىء والتحرش هو صورة من هذا التخريب. إجابة تستحق الدراسة. [email protected]