خسارة فاروق حسنى، وزير الثقافة المصرى، فى انتخابات اليونسكو، ليست نهاية العالم، الرجل خاض معركة باسم مصر، لم يكن فيها وحده، كانت مصر، رئيساً وحكومةً وشعباً، معه، ليس من أجل فاروق حسنى الشخص- وإن كان يستحق- ولكن من أجل الثقافة العربية. كانت المعركة فى الأساس معركة عربية، لقيادة أكبر منظمة ثقافية فى العالم بقاطرة عربية، تتاح لها الفرصة لأول مرة لكى يعرفها العالم معرفة حقيقية. أدركت مصر بقيادة مبارك أهمية المعركة، وجاء التنسيق العربى على أعلى مستوى، وأثبت أن التعاون العربى سلاح فعال عندما يتم، وسمعنا عن أدوار عربية مؤثرة ووعود مضمونة فى مواجهة التهديدات الأمريكية بحرمان اليونسكو من سداد حصتها التى تبلغ نصف إجمالى ما تسدده بقية الدول، وسمعنا عن توزيع أدوار بين المصريين وأشقائهم العرب، وتابعنا مؤازرة كل الجهات والوزارات المصرية لحسنى، بدءاً من رئيس الوزراء وحتى أصغر أعضاء فريق المرشح المصرى. كل هذه الصور الإيجابية تؤكد أن الفوز لم يكن بعيدا عنا، ولكن العنصرية الغربية التى مازالت فى عنفوانها تجاه كل ما هو عربى لم تقبل أن يتولى عربى قيادة منظمة الثقافة العالمية، فربما يستطيع من موقعه تعريف العالم بحقائق الثقافة العربية والتسامح العربى وأثر الحضارة العربية فى تاريخ العالم، ومن المؤكد أن فاروق حسنى كان يمكنه فعل ذلك، فقد أثبت أنه من أنجح وزراء الثقافة فى تاريخ مصر. عدم تولى فاروق حسنى قيادة اليونسكو يجب أن يجعلنا نفيق على الحقيقة فى التعامل مع دول العالم الغربى التى لا تنسى أبدا عنصريتها، لقد أدخلوا المنظمة الثقافية نفق السياسة الذى له ألف حسبة وحسبة، ومارسوا كل نفوذهم لمنع عربى جنوبى من تولى هذا المنصب المهم من الناحية الثقافية. هذا الموقف ليس جديدا، فقد تكرر من قبل مع د.بطرس غالى، أمين عام الأممالمتحدة، الذى رفضت أمريكا استمراره فى دورته الثانية، وإذا طابقنا موقف أمريكا مع فاروق حسنى ومع بطرس غالى لأدركنا مدى قبح الوجه السياسى الأمريكى، بعد أن تعهدت الإدارة الأمريكية لمصر بأنها لن تعارض ترشيح فاروق حسنى لقيادة اليونسكو، بينما قام مندوبها بأكبر جهد ضد المرشح المصرى. لقد كان وجود مرشح عربى على رأس هذه المنظمة المهمة، فرصة للتعبير عن الثقافة العربية فى حقيقتها، بعيدا عما تصمها به الآلة الإعلامية الغربية، وبعيدا عن تأثير جماعات الضغط اليهودية فى كل دول العالم الغربى المؤثر الأساسى والمحرك الرئيسى للمنظمات الدولية. لقد دارت معركة ساخنة، ربما تكون الأولى من نوعها فى تاريخ المنظمة الثقافية، لكنها ليست نهاية المطاف، فربما تكون هذه المرة هى البداية، لتأتى بعد ذلك جولات أخرى يحرص خلالها العالم الغربى العنصرى على منع الثقافة العربية من تولى قيادة ثقافة العالم لعدة سنوات، لذا فعلينا أن ندافع عن ثقافتنا، وأن نتأهب ونتأهل لجولة مقبلة، سواء فى اليونسكو أو غيرها من المواقع الدولية، وألا نترك الساحة لليهود للتلاعب بعقول العالم.