فى 11 من سبتمبر من هذا العام تجددت ذكريات حادث الاعتداء على برجى التجارة الأمريكيين وغيرهما من رموز المؤسسات السياسية والفكرية الأمريكية مثل البنتاجون، وهو الحدث الذى قيل معه إنه سيمثل فاصلاً بين عهدين وعصرين، وإنه سوف يحكم ويوجه السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية لعصور مقبلة. وأذكر أنى كنت ضمن وفد المجلس المصرى للشؤون الخارجية الذى زار الولاياتالمتحدةالأمريكية فى أكتوبر 2001، حيث أجرى الوفد لقاءات مع ممثلى عدد من المؤسسات الأمريكية مثل الكونجرس، والإدارة، ومراكز البحث والإعلام، ومع تعدد القضايا التى نوقشت خلال هذه اللقاءات، كان الخط الرئيسى الذى سيطر على تفكير هذه المؤسسات والسؤال المشترك الذى طرحوه هو: كيف تكسب الولاياتالمتحدة عقول وقلوب العالمين العربى والإسلامى؟ فى تأكيدهم على ردود الفعل بين العرب والمسلمين حول الحادث كان هناك من انتقدوا بشدة ردود الفعل هذه وعدم إدانتها الكاملة للحادث ومرتكبيه، وذهبت إحدى الباحثات فى أحد مراكز الفكر جورى كيمبرر إلى أن تضرب المنضدة بيدها وتتساءل بعنف: أين مصر؟ فى هذا الوقت أيضاً كان الجدل يتزايد حول ما يجرى من إعداد وتخطيط للحرب على العراق، وكانت الأصوات العاقلة وذوو الخبرة بالعالم العربى الذين التقى بهم وفد المجلس مثل «زينجو بريجينسكى» يحذرون من شن مثل هذه الحرب، خاصة فى ظل عدم تحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية التى تسيطر على مشاعر العرب والمسلمين. وعلى الرغم من هذه التحذيرات التى صدرت عن حلفاء للولايات المتحدة فى العالم وحكومات صديقة لها فى العالم العربى، بل كذلك عن مسؤولين أمريكيين مثل «ريتشارد هاس»، الذى كان يشغل منصباً كبيراً فى وزارة الخارجية الأمريكية كمدير للتخطيط السياسى، حيث أبدى فى مناسبات واجتماعات عديدة تحفظاته واعتراضاته على اللجوء للحرب فى وقت تملك فيه الولاياتالمتحدة بدائل أخرى، وهو ما كشف عنه فى مذكراته التى صدرت مؤخراً «WAR OF NECESSITY , WAR OF CHOICE». وكشف فيه أيضاً عن تحفظات وزير الخارجية آنذاك «كولن باول». وغير أنه على الرغم من كل هذه التحذيرات الخارجية والداخلية، صمم الرئيس الأمريكى على خيار الحرب بشكل غير مفهوم مما جعل ريتشارد هاس يقول إنه سوف يذهب إلى قبره قبل أن نفهم سبب وسر هذا الإصرار. وتدلل السنوات التى تلت الحرب على العراق على صدق التحذيرات التى سبقتها حول النتائج الكارثية التى سوف تسببها ابتداء من تدمير دولة ومجتمع مثل العراق إلى تقويض الاستقرار فى المنطقة، وبما لا يقل أهمية عن ذلك تغذية الإرهاب والتطرف من ناحية، وإذكاء الغضب ضد الولاياتالمتحدة فى العالمين العربى والإسلامى. وأوضح أن إدارة بوش لم تكتف بالحرب على العراق فى هزيمة ما كان يمثل هدفاً أمريكياً بعد حادث 11 سبتمبر من «كسب عقول وقلوب» العالم الإسلامى، بل ذهبت فى دعم الغضب الإسلامى بسياسة التأييد المطلق لإسرائيل، وتبنى اختياراتها وإهمال أى جهد جاد فى عملية التسوية السلمية، وهكذا بدلاً من كسب عقول وقلوب العرب والمسلمين وصلت صورة الولاياتالمتحدة لدى العرب والمسلمين إلى أدنى مستوياتها، وكان هذا هو الميراث الذى خلفته إدارة بوش إلى الإدارة المقبلة، وكانت من الأدوات التى استخدمها المرشح الديمقراطى باراك أوباما فى التدليل على فساد سياسات إدارة بوش وإضرارها بالمصالح الأمريكية، وهكذا كان طبيعياً بعد انتخاب أوباما أن يكون من أهم مهامه وسياساته تصحيح صورة الولاياتالمتحدة فى العالم الإسلامى، وهو ما أكده منذ اليوم الأول لانتخابه وفى عدد من المبادرات مثل زيارته لتركيا وأهم من ذلك خطابه فى القاهرة ورسالته التى وجهها للعالمين العربى والإسلامى، وخلاصتها علاقة مع الولاياتالمتحدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة. ولابد أن أوباما كان يدرك أن عليه أن يترجم هذه المبادئ إلى سياسات وهو ما تبلور فى الموقف من أكثر القضايا التى تعكر علاقات الولاياتالمتحدة مع العالم الإسلامى وهى القضية الفلسطينية، وقد كان حريصاً فى خطابه فى القاهرة أن يعلن فهمه وتعاطفه مع معاناة الفلسطينيين وحقهم فى دولة مستقلة وبالتأكيد رفضه لسياسات الاستيطان الإسرائيلى. وواضح أن خطاب أوباما فى القاهرة قد مثل نقلة فى علاقات الولاياتالمتحدة مع العالم الإسلامى غير أن ثبات وتحقق هذه النقلة ودوامها سوف يعتمد فى نهاية الأمر على مدى تمسك إدارة أوباما بالمفاهيم والمبادئ، التى تضمنها خطابه فى القاهرة وتحولها إلى سياسات عملية وصمودها أمام مناورات نتنياهو بل تحدياته، واستعدادها، إذا ما استمر هذا التحدى، خاصة حول قضية المستوطنات، ممارسة ما تملكه من أدوات ضغط دبلوماسية، وتكنولوجية، واستخباراتية، واستراتيجية وعلى غرار ما فعلته إدارة بوش الأب مع حكومة شامير من وقف القروض الموجهة لبناء المستوطنات.