لم تعرف الحركة الإسلامية رئيساً أنصفها وأخرجها من غياهب القهر والكبت والسجون سوى الرئيس السادات، الذى بدأ عهده بتحطيم سور سجن ليمان طرة الذى كان رمزاً لمآسى الإسلاميين فى عهد سلفه عبدالناصر. كان السادات فى تقديرى رجلاً متديناً فى الأصل وليس انتهازياً كما يرى البعض، وشواهد ذلك عديدة من بينها اختيار شهر رمضان، وهو مناسبة هذا المقال، لتحقيق النصر على إسرائيل فى العاشر منه، واستعادة الأرض والعرض سائراً فى ذلك على درب من اختار الشهر الكريم لتحقيق النصر فى تاريخ الإسلام مثل بدر وعين جالوت وغيرهما من المعارك التى انتصر فيها المسلمون على أعدائهم. كما أن من شواهد تدين الرجل قراره الجرىء بتغيير الدستور فى نصه الثانى بأن جعل الشريعة الإسلامية هى المصدر الأول للتشريع، وأيضاً محاولته الشهيرة تصحيح خطى مؤسسة الأزهر التى وأدها سلفه عبدالناصر بقوانين أدت إلى ما آلت إليه الآن عندما أصدر السادات قراراً بأن يكون منصب شيخ الأزهر نائباً لرئيس الجمهورية، وهو القرار الذى قتله وتحايل عليه ممدوح سالم، رئيس الوزراء آنذاك. كما أن السادات عين الشيخ محمد متولى الشعراوى وزيراً للأوقاف وهو العالم الجماهيرى الذى أحبه الناس ولايزالون. هذا التدين هو الذى دفع بالرجل إلى أن يسمح للحركة الإسلامية بجميع أطيافها ومشاربها بالعمل المعلن والخروج لأول مرة عن السرية، فمارسوا دعواهم بكل حرية وانتشر أبناؤها فى كل شىء من المسجد إلى الجامعة إلى المدينة إلى القرية وحتى الأزقة، وكان أن ولدت الجماعات الإسلامية التى شبت من رحم هذه الحرية، وبزغت تنظيمات الجماعة الإسلامية والجهاد والتكفير والهجرة، وجماعة السماوى نسبة إلى الشيخ الراحل طه السماوى، والجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية وجماعات أخرى لا حصر لها، إضافة إلى الجماعة الأقدم وهى الإخوان المسلمين، كانت جميعها عبارة عن مزيج من الأفكار ما بين الاعتدال حيناً ممثلاً فى الإخوان المسلمين والغلو أحياناً ممثلاً فى الجماعة الإسلامية والجهاد.. والتكفير على طول الخط ممثلاً فى جماعات التكفير والهجرة.. وما بين الاعتدال والغلو والتكفير كانت تتأرجح باقى الجماعات. وبعيداً عن فكرة الاستخدام التى ذهب البعض إلى أنها الكسب الوحيد لخروج هذه الجماعات، إلا أن تقديرى للسادات أنه كان مؤمناً بالحرية لجميع التيارات وليس للتيار الإسلامى فقط، بدليل أن الرجل لم يختر الحل الأسهل فى التعامل مع التيار الشيوعى وهو القهر والسجن وهو أيضاً نفس الحل الذى ذهب إليه عبدالناصر فى التعامل مع التيار الإسلامى. لقد بلغت الحرية بهذه الجماعات أن كان منهم من يجوب القرى والنجوع فى جميع المحافظات يطلب البيعة له من الناس بصفته إمام هذه الأمة والحاكم الشرعى للبلاد، وآخر كوّن جيشاً مسلحاً ذهب به إلى الجبال والصحارى والتدريب جهاراً نهاراً للاستعداد على قتال النظام والحاكم الكافر الذى يحكم البلاد «!» . ومن عجيب المفارقة أن الرئيس السادات رحمه الله كان يعلم كل ذلك وكانت تقارير جهاز المباحث العامة عندما تأتى له بهذه الأحوال كان يردد الرجل قولته المأثورة «أولادى.. وهذا ثمن الحرية الذى يذوقه الشعب المصرى»، إلى أن تغولت هذه الجماعات فى كنفه وحتى العلماء والأئمة والمشايخ سواء التابعون لهذه الجماعات أو المستقلون كانوا يخرجون على منابر المساجد يهاجمون الرجل ودولته ونظامه بكل جرأة. هاجم كل هؤلاء الرجل الذى انتصر على إسرائيل وأعاد الأرض وشرف العرض فى الوقت الذى لم يكن هناك واحد فقط يستطيع أن يتفوه بكلمة واحدة فى حق من أضاع الأرض والبلد بأكمله وجاءت لحظة النهاية عندما اجتمع كل هؤلاء على قلب رجل واحد وقتلوا الرئيس السادات ليلقى الرجل ربه شهيداً. بعد كل هذه السنوات أعتقد أن الحركة الإسلامية بوجود الرئيس مبارك على رأس السلطة لاقت الجزاء الأوفى لها وهو جزاء لا أعتقد أنه بات خافياً عليها! aelkhateb@almasry_alyoum.com