ماذا يحدث إذا تحول الأصدقاء إلى أعداء؟.. سؤال كان مطروحا على خلفية مؤتمر طبى دولى أقيم فى العاصمة اللبنانية ببيروت للتوعية والتحذير من مرض لا يعرفه الكثيرون، رغم أنه ينتشر بسرعة كبيرة حاليا بين الشباب خصوصا الفتيات، وهو مرض تصلب الأعصاب المتعدد أو المتناثر، المعروف بمرض MS. فالمعروف أن الجهاز المناعى للإنسان يقوم بمهاجمة الميكروبات والبكتيريا والفيروسات الدخيلة على الجسم، غير أن الخبراء والمتخصصين المشاركين فى المؤتمر، أوضحوا أنه بالنسبة لمرض التصلب المتعدد فإن الجهاز المناعى يقوم بمهاجمة الخلايا والأنسجة السليمة فى الجسم نفسه، وعندما يحدث ذلك يتم تدمير غشاء المايلين (وهو العازل الواقى المحيط بالألياف العصبية فى الجهاز العصبى المركزى)، فى مراحل متقدمة قد يتعرض الجدار الفاصل بين المخ والدم الى التلف، فتقوم خلايا جهاز المناعة بالدخول إلى المخ ومهاجمة خلاياه بصورة خاطئة، وهكذا يتحول الأصدقاء (خلايا المناعة) إلى أعداء يقومون بمهاجمة أصدقائهم (خلايا الجسم العادية) بصورة خاطئة، معتبرين أنهم أعداء يجب التخلص منهم. وكان أكثر من 100 خبير ومتخصص من أبرز أساتذة علاج الأعصاب بالعالم والمنطقة العربية، قد أطلقوا حملة توعية خلال المؤتمر للتواصل مع الأطباء والإعلاميين فى المنطقة العربية، بهدف نشر جميع المعلومات حول المرض والتوعية منه، وأهمية التشخيص المبكر فى عدم تدهور الحالات المصابة به، خصوصا وأنه مرض مزمن ليس له شفاء حتى الآن، وخطورته أنه قد يسبب العمى أو العجز، فيمكنه خلال سنوات قليلة أن يحول شخصاً سليماً ومعافى تماما إلى مريض يلازم الكرسى المتحرك. الغريب أن أعراض مرض التصلب المتعدد - بحسب الأطباء- كثيرة وشائعة ومنتشرة وقد تختلف من شخص لآخر، والأخطر أنه لا يمكن التنبؤ بها، فيؤكد أحد المهتمين بهذا المرض فى مصر، الدكتور ساهر هاشم، أستاذ الأمراض العصبية بجامعة القاهرة.رئيس الجمعية المصرية لمرض التصلب المتعدد، أن الأعراض الشائعة التى تظهر كعرض واحد أو أكثر للمرض وتشمل الإرهاق وعدم وضوح الرؤية أو ازدواجية الرؤية والتنميل والطنين والتلعثم فى الكلام وثقل اللسان والتخشب وألماً فى الأطراف أو الظهر، وضعف العضلات وضعف التنسيق بين الحركات أو ضعف الأطراف السفلية والعلوية واحتباساً فى البول أو صعوبة فى التحكم بالتبول أو مشاكل بالمثانة أو الأمعاء، فضلا عن وجود مشاكل جنسية أو مشاكل فى الذاكرة كالشعور بعدم التركيز أوالنسيان وتغيرات فى المزاج والكآبة، وتشنجاً عضلياً وتيبساً وأحيانا شللاً نصفياً أو كاملاً، هذه الأعراض قد تظهر بشكل متباين دون تنسيق وقد تتمايز بشكل كبير ما بين البسيط جدا والقاسى جدا. وأوضح هاشم أنه بالرغم من أن السبب الأكيد لمرض التصلب المتعدد غير معروف، فإن الأبحاث أفادت بأنه نتيجة لاشتراك عوامل تلوث البيئة أو العوامل الوراثية التى قد تتسبب فى حدوثه. وطالب هاشم بضرورة رفع الوعى لدى المواطنين وعند مسؤولى وزارة الصحة، لتوفير الأدوية للمرضى وتوفير التشخيص المبكر لهم، مشيرا إلى أن المرضى يتسولون العلاج من الوزارة ومن مستشفياتها لأن العلاج غالى الثمن، حيث تصل تكلفة الأسبوع الواحد من أدوية العلاج إلى 1500 جنيه، ويستمر كورس العلاج حوالى 52 أسبوعا أى التكلفة 75 ألف جنيه فى العام الواحد لمدة 5 سنوات على الأقل حتى يتم تقليل آثار المرض. وخلال المؤتمر أعلن مرجع دولى فى التصلب المتعدد، وهو البروفيسور ديفيد بيتس، أستاذ علم الأعصاب الإكلينيكى بجامعة نيوكاسل، عن نتائج أول دراسة BENEFIT من نوعها تظهر انخفاضاً فى تدهور الحالات المصابة بالمرض، وانخفاضا فى خطورة حدوث إعاقة مؤكدة للمصابين به مع بدء علاجهم المبكر مقارنة بالعلاج المتأخر، وأظهرت نتائج الدراسة أن العلاج المبكر بعد الهجمة الأولى للمرض يؤخر تطوره لأكثر من سنتين فى حوالى40 % من المرضى، كما أن البدء فى العلاج المبكر يخفض بوضوح ظهور إصابات نشطة جديدة بالمخ، ورصدت الدراسة هذه النتائج من خلال تجربة أجريت فى 89 مركزاً فى20 دولة حول العالم، وشملت المرضى المتقدمين بهجمة إكلينيكية واحدة تفيد بإصابتهم بمرض التصلب المتعدد. وشبه «بيتس» المرض بجبال الثلج العالية التى تظهر قمتها فقط فوق سطح الماء فى حين أن الغاطس منها أكبر بكثير، أى أن نشاط المرض أكثر بكثير مما يظهر، وتكون فائدة العلاج المبكر والأدوية المعدلة لمسار المرض هى وقاية المرضى ليس فقط من نشاط المرض الظاهرى ولكن أيضا من نشاطه الخفى، مضيفا أن الأخبار السعيدة لمرضى التصلب المتعدد هى أن الأبحاث أظهرت أن البدء المبكر فى العلاج الوحيد المعترف به دوليا من منظمة الغذاء والدواء الأمريكية والمنظمة الأوروبية هو عقار (بيتا فيرون) قد يؤخر ظهور الإعاقة، مضيفا أنه يتساوى فى الأهمية مع العلاج المؤثر، أن نساعد المرضى على أن يجدوا الطرق للتأقلم النفسى مع ذلك المرض. ولمس الدكتور عادل حسانين، أستاذ المخ والأعصاب بقصر العينى، أحد المشاركين فى المؤتمر، تأثير المرض على الحياة الزوجية والاجتماعية للمريض، وكيفية احتفاظه بمعنويات عالية ودفعه للتقدم فى حياته الشخصية والعملية، وقال «هذا المرض خفى ويلازم المريض طوال العمر وأعراضه تختلف وتتذبذب وقد تأخذ أعواما حتى تظهر، لكنه يؤثر على الحياة الجنسية للمريض بشكل كبير». وعلق د.هاشم بأنه لمس خطا حساسا فى مشاكل مرضى التصلب المتعدد، فأكثر من 40% يعانون من الضعف الجنسى، وقال: «إحدى مريضاتى وهى شابة صغيرة تشكو بأنها لا تشعر بأى شىء مع زوجها وكانت تبكى». وأشار الدكتور هانى عارف، أستاذ المخ والأعصاب بجامعة عين شمس، أحد المشاركين بالمؤتمر، إلى أهمية الأبحاث الجديدة فى العلاج التى يمكن أن تقلل الآثار الخطيرة للمرض، وإيقاف نشاطه، عن طريق التشخيص والاكتشاف المبكر، لافتا إلى أن ذلك قد يقلل الانتكاسات التى تحدث للمريض، لدرجة لا تصل إلى درجة الإعاقة والعجز.
