فى ظل سيطرة الحزب الوطنى على الأغلبية تحت قبة البرلمان، يصبح ظهور أصوات معارضة داخل الحزب الحاكم أمرا مثيرا للجدل، ويطرح تساؤلات حول مدى مصداقية هذه المعارضة، وما إذا كانت حقيقية أم شكلية، وطبيعة المواقف التى يعارضونها، وكذلك رد فعل الحزب تجاههم، الذى وصل فى بعض الحالات إلى درجة «فصل المعارضين». يأتى على رأس نواب الحزب الوطنى المعارضين النائب حمدى الطحان رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب، والمتابع لمواقف الطحان المعارضة يجدها ليست وليدة المصادقة وإنما بدأت 1979، حين قدم أول طلب إحاطة حول فساد المسؤولين فى هيئة الاستصلاح الزراعى، بمديرية التحرير، وطالب بأن تكون تبعية الهيئة لوزارة الزراعة بدلا من وزارة الإسكان، وليتم تشكيل لجنة تقصى حقائق حول الموضوع، وإحالة مسؤولين بمديرية التحرير إلى النيابة. واشتهر الطحان بإعداد تقارير تقصى الحقائق المثيرة للجدل، ففى دورة 2000 قدم تقريراً حول حادث قطار الصعيد الشهير، وفى دورة 2005 قدم تقرير العبارة، وكلها تقارير أدانت مسؤولين كباراً. مواقف الطحان المعارضة تسببت فى عدم دعوته إلى كثير من الاجتماعات الحزبية، المصحوبة بتوجيهات معينة، كما حدث فى الاجتماع الخاص بعقوبة النائب أشرف بدر الدين، أو اجتماع مناقشة أداء الجهاز المركزى للمحاسبات. وكثيرا حمل الطحان الحكومة مسؤولية الفساد والإهمال، وعبر عن موقفه فى الجلسة التى ناقشت كارثة الدويقة، التى قال فيها «الكارثة تستوجب استقالة الحكومة، لأننا رأينا فيها تجسيدا لانهيار الدولة»، وربط بين تزاوج المال والسلطة، وفساد المحليات. ومن الشخصيات المثيرة للجدل داخل «الوطنى» الدكتور زكريا عزمى بحكم منصبه كرئيس لديوان رئيس الجمهورية، إلا أن أداءه البرلمانى يأتى وكأنه لا يتقلد منصبا رسميا فى الدولة، وهو الشخص الوحيد الذى اعترف بأن «الفساد فى المحليات وصل للركب»، وكثيرا ما انتقد آداء الحكومة، والمتابع لجلسات مجلس الشعب يجد أن كلمة «عزمى» فى كثير من الأحيان هى الفيصل فى أى خلافات، وكثيرا خضعت الحكومة لآرائه إذا ما اقترح أى تعديل على أحد مشاريع القوانين. ويأتى النائب أحمد أبو حجى ليمثل أهم أصوات المعارضة داخل الحزب الوطنى، ففى أحد اجتماعات لجنة الإسكان خلال دور الانعقاد المنقضى شن أبوحجى هجوماً حاداً على الحكومة، واتهمها بالفساد واستغلال النفوذ وقال: إن مصر الآن يديرها مجموعة من اللصوص، ويحكمها صراع الحيتان، وذلك أثناء عرضه لبيان عاجل حول صدور قرار جمهورى بتخصيص مساحة 22 كم مربع من الأراضى الصحراوية بين طريقى «القاهرةالإسماعيليةوالقاهرةالسويس» داخل كردون مدينة بدر، لصالح شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، تعويضاً لها عن أراضيها المتداخلة مع خطة تطوير مطار القاهرة. ومن مواقف أبو حجى المعارضة مقاطعته الجلسة التى شهدت الموافقة على مد حالة الطوارئ بالإضافة إلى موقفه الرافض للعقوبة التى وقعت على النائب الإخوانى أشرف بدر الدين بحرمانه من حضور الجلسات حتى نهاية دور الانعقاد، بعد رفعه الحذاء داخل المجلس فى جلسة 10 يناير الماضى. أما الدكتور حمدى السيد رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب فالمسافة بينه وبين المعارضة تحت قبة البرلمان لا تفصلها سوى «شعرة»، فهو قريب الصلة بنواب المعارضه ويحرص على الجلوس فى مقاعدهم ولا يجلس فى مقاعد نواب الأغلبية، ويبدو أن طبيعة تشكيل مجلس إدارة نقابة الأطباء السياسية أضفت عليه تلك الصفة فهو يتعامل بصفته نقيبا للأطباء مع مجلس غالبيته من الإخوان المسلمين، وفى الفترة الأخيرة تقدم بمذكرة إلى النائب العام للإفراج عن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح أمين عام اتحاد الأطباء العرب، القيادى بجماعة الإخوان. وفى أكثر من مناسبة، علا صوت السيد تحت قبة البرلمان فى مواجهة الحكومة، مثلما حدث عندما اتهم وزيرى الصحة والتعليم العالى بالضحك عليه فى موضوع كادر الأطباء، ومقاطعته للجلسات التى شهدت شطب عضوية النائب الإخوانى مختار البيه. كما ينضم إلى صفوف المعارضين داخل الحزب الوطنى اللواء ماهر الدربى، وهو الرجل الذى وقف فى وجها لمهندس أحمد عز أمين التنظيم فى الحزب الوطنى، عندما تقدم الأخير بمشروع قانون بمعاقبة المبلغ عن جريمة احتكارية بنصف العقوبة، ووقتها قال الدربى: «إنه لا يحق ل«عز» التقدم بمثل هذا المشروع طبقا للائحة المجلس التى تنص على أنه إذا كان طلب الإحاطة المقدم من النائب له مصلحة خاصة فيه لا يناقش». كما عارض الدربى قرار رئيس الجمهورية الخاص بتقسيم المحافظات، وإنشاء محافظتى حلوان و6 أكتوبر، وقال إنه يجب محاسبة من قدم معلومات مغلوطة تم على أساسها صدور القرار الجمهورى الخاص بالتقسيم الجديد للمحافظات، كما وجه الكثير من الانتقادات للحكومة ووصفها ذات مرة بأنها «تعمل ودن من طين والأخرى من عجين»، ولا تستمع إلى أنين وأوجاع المواطنين. وعلى مستوى العنصر النسائى فلا يوجد سوى النائبة القبطية جورجيت قللينى التى وصفها الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب بالمشاغبة، ومعارضة قللينى للحكومة وصلت ذروتها أثناء مناقشة حادثى السطو على محلى المجوهرات فى الزيتون ، عندما اتهمت أجهزة الأمن بالتقصير، بالإضافة إلى حادث الدويقة والذى وجهت بسببه انتقادات حادة للحكومة ووصل الأمر إلى بكائها فى الجلسة الطارئة التى عقدتها لجنة الإسكان فى المجلس، لتحديد مصير العشوائيات وتحديد المسؤولين عن الحادث. ورغم انتمائها لصفوف «الوطنى» فقد تمكنت من انتزاع تصفيق نواب المعارضة أكثر من مرة. قللينى قالت ل«المصرى اليوم» إن معارضتها ليست خروجا عن الالتزام الحزبى، وإنها تحترم الحزب الوطنى واتجاهاته، معللة ذلك بأن الأمر لو كان كذلك لكان «الوطنى» اتخذ موقفاً ضدها، ولكنها فى الوقت ذاته أرجعت تلك المعارضة إلى «ضميرها» وإلى الصالح العام، وقالت: «عندما أتحدث أعلم أن الله يراقبنى.. إننى أخاف الله ولا تربطنى مصالح خاصة ولا أقول كلمة من باب الانتقام». ورغم الانتقادات المستمرة التى توجهها «قللينى» للحكومة، فأنها استبعدت تقديم استجواب ضد الحكومة، ليس خوفا من مصير النائب «المفصول» من الهيئة البرلمانية للحزب» «طاهر حزين» بسبب تقديمه استجواباً – على حد قولها- ولكنها أشارت إلى وجود وسائل أخرى «أقوى» من الاستجواب منها ثقافة النائب والتى يستطيع من خلالها مواجهة أى وزير. «جورجيت» أرجعت عدم اتخاذ موقف حزبى ضدها إلى أسلوبها الذى لا يعتمد على التجريح، ويراعى احترام اللائحة الداخلية للمجلس، كما نفت فى الوقت نفسه أن تكون تلك المعارضة وسيلة لكسب شهرة، قائلة: «المواطن المصرى سواء المثقف أو الجاهل يستطيع الحكم على من يعارض من أجلهم أو من أجل الشهرة».. وأضافت: «عندما أحتد فعندى ما يبرر ذلك». كلام النائبة دفعنا لسؤالها: «لماذا لا تتحدثين عن فساد بعض نواب الحزب الوطنى؟»، فأجابت: «ليس دورى أن أواجه زميلا لى، ولكن هناك أساليب أخرى، منها أننى مثلا تقدمت بتعديل على نص المادة 95 من الدستور يمنع بمقتضاه النائب من استغلال حصانته فى البيزنس»، وأضافت: «ليس هذا فقط، فلم أشارك فى أول دورة لى بالمجلس فى التصويت على بطلان عضوية أحد نواب المعارضة، وعندما وصل الأمر لقيادات الحزب، سألونى فاعترفت بأن غيابى كان سياسيا أى بسبب رفضى التصويت». وعن رد الفعل داخل الحزب الوطنى بعد كل موقف تتخذه، قالت: «لا يوجد أى رد فعل ضدى، والجميع داخل الحزب يقدرنى ويحترمنى، ويدلل على ذلك أنه فى الدورة الأولى لى، كنت أشد معارضة من الدورة الثانية ورغم ذلك أعاد الرئيس مبارك تعيينى». وإذا كانت جورجيت مازالت مستمرة فى الحزب الوطنى رغم أدائها المعارض، فعلى الجانب الآخر هناك أشخاص تسببت معارضتهم فى فصلهم من الحزب ومنهم النائب محمد حسين، الذى اتخذ العديد من المواقف المعارضة لتوجه الحزب بشأن العديد من مشروعات القوانين والقرارات التى اعتمدها المجلس ، والنائب طاهر حزين الذى انضم ل «الوطنى» بعد تخليه عن حزب الوفد، واستجوابه الشهير ضد وزيرى النقل والبترول والذى أطاح به خارج «الوطنى». «حزين» قال ل«المصرى اليوم» هناك فرق بين الالتزام الحزبى الحقيقى، والالتزام بمفهوم الحزب الوطنى، لافتا إلى أن الأول معناه الالتزام بمصالح الشعب، أما الثانى فهو إلزام النائب بأمور محددة حتى لو كانت فى غير صالح الناس. وطرح حزين سؤالا مهما: «لو قال النائب لا لأحد مبادئ الحزب، فمن الذى يحدد المخطئ من الملتزم؟»، وأجاب: «الموقف ذاته هو الذى يحدد ذلك.. لأن الذى وضع تلك المبادئ بشر وأنا بشر». وأرجع «حزين» قلة المعارضين داخل الحزب الوطنى إلى «حسابات سياسية» مرتبطه بحرص بعض النواب على مواقعهم داخل البرلمان. أما النائب المستقل علاء عبدالمنعم صاحب أزمة تقارير محكمة النقض والتى بسببها شن نواب «الوطنى» هجوما ضاريا عليه، فقد اعتبر معارضة نواب «الوطنى» حقيقية وليست شكلية كما يصورها البعض، وأرجع ذلك إلى أن مواقف هؤلاء المعارضين نابعة من مواقف شخصية بعيدة عن التزاماتهم الحزبية، ولكنه اعتبرها فى الوقت ذاته معارضة يحكمها سقف معين، وبدون هذا السقف فالأفضل لهم الجلوس فى مقاعد المعارضة الحزبية والمستقلين، على حد قوله.