تدوى هذه الأيام صيحة حرب تحذر من إتمام شعائر الحج هذا العام فى ظل حالة الهوس والخوف من أنفلونزا الخنازير. وتنشط أصوات ترتدى ثوب العقل والحكمة تطالب بإلغاء الموسم، حرصاً على صحة الحجاج وخوفاً من أن يصيبهم – لا قدّر الله - أى مكروه نتيجة الزحام الرهيب أثناء تأدية المناسك. ووجدنا من يطلب فتاوى من جهات رسمية بهدف الحصول على صك شرعى يؤيد إلغاء الحج هذا العام، وقام بعضهم بالاستشهاد بعمر بن الخطاب، الذى أوقف حد السرقة فى عام الرمادة. كما قام بركوب الموجة نفر ممن عرفوا بكراهيتهم العمياء للأديان، خاصة الإسلام، فوجدوا فى الوباء الذى يطرق الأبواب فرصة يتخلصون بها من إحدى فرائض الدين الإسلامى.. بالضبط مثلما فعل نظراؤهم على الجانب الآخر، عندما هللوا بشدة لذبح كل الخنازير على أرض مصر دون أن يكون موضوع صحة الناس فى بالهم من الأساس! لكنى على الرغم من كل هذه الجعجعة وكل هذه الهستيريا واثق من أن موسم الحج سيمضى فى طريقه المعتاد، وأن شيئاً مما يطالبون به لن يحدث. ليس بسبب أن الحكومة ستحتاط من أجل رعاية الناس ولكن لأسباب مغايرة تماماً. وهناك سيناريو أراهن بعمرى على أنه سيحدث، وتتلخص مشاهده فى أنهم سيشيعون حالة توحى بأن الحج قد أصبح بعيد المنال هذا العام، لكنهم سيتعمدون ترك الباب موارباً حتى يفهم الناس أن الحج مازال ممكناً لكن بشروط صعبة، وأن على الذين يحبون الله ورسوله أن يدفعوا ثمن هذا الحب للحكومة والسماسرة والتجار وسواهم من الضالعين فى بيزنس الحج. ما سيحدث بدأت بشائره فى الظهور، وأولى هذه البشائر هى إعلان الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة، عن شهادة تمنحها وزارته لراغبى أداء الفريضة، وثمن هذه الشهادة كما نشر على لسان سيادته بالصحف هو أربعمائة جنيه.. وهنا اسمحوا لى أن أطلق ضحكة قوية مجلجلة من القلب، واسمحوا أن تكون ضحكتى على هذا النحو: نياهاهاهاهاهاهاه.. نياهاهاهاهاهاهاه.. ولقد لجأت لهذه الضحكة نظراً لتعذر إطلاق أى أصوات إسكندرانى لأسباب رقابية! الحكومة التى من واجبها حماية الناس وتوفير الرعاية الصحية لهم بالمجان وجدت فى المصيبة فرصة سانحة لاقتناص عشرات الملايين من جيوب أولئك الذين تهفو قلوبهم لزيارة بيت الله الحرام عن طريق بيع شهادات صحية لهم. الحكومة المحترمة قررت استثمار الكارثة للحصول على قرشين. وهذا بالضبط ما تفعله بعض الشركات عندما تضع بالصحف إعلانات طلب وظائف ثم تمنح المتقدمين ورقة بيانات يملأونها مقابل ثلاثين جنيهاً يأخذونها من شاب يحتاج للعمل!. هذا هو ما تنوى وزارة الصحة فعله.. أن تقدم للناس شهادات صحية مختومة مقابل فلوس. سيقولون إن هذه الفلوس ستكون مقابل الكشف والتحاليل الطبية والموجات فوق البنفسجية وتحت القرمزية وبجوار القرنفلية. لكن الحقيقة التى يعلمها كل الذين سبق لهم الحصول على الشهادة الصفراء قبل التوجه للحج أو العمرة، هى أن الناس سيحصلون على الشهادة من المراكز الصحية دون إجراء أى كشف طبى ودون أن يتمتعوا بالموجات البنفسجية والموجات الفوشيا. بل إن الأمر الفاجع أن السادة الموظفين سيهددون الحاج الذى يكتفى بدفع الأربعمائة جنيه فقط بأنهم سيعطونه حقنة كبيرة قد تضايقه وتؤلمه أثناء أداء المناسك، أما إذا أراد الإعفاء من الحقنة فعليه أن يفتح مخه! وبهذا فإن اليغمة ستتسع للجميع..الحكومة التى تلهف 400 جنيه بإيصال رسمى والموظفين الذين سيقبضون مقابل الإعفاء من الكشف تحت بند «كل سنة وانت طيب يا حاج». وأنا شخصياً حصلت على الشهادة التى تفيد تطعيمى من دفعة أمراض قبل السفر للعمرة دون أن أحصل على أى تطعيم، والحقيقة أننى لم أكن أرغب فى الهروب من التطعيم، لكن الموظف الذى ختم لى الشهادة وأعطانيها وهو يبتسم من أجل الحصول على «المؤنن» أخافنى من أن أطلب التطعيم خشية أن يكون فاسداً مثل الموظف ورؤسائه. هذا أحد الأسباب الحقيقية التى تدفعنى للظن بأن موسم الحج لن يتم إلغاؤه أبداً، لكن سيتم التلويح بالإلغاء من أجل الحصول على مكاسب. بالعربى سيقومون بتعطيش السوق حتى تُحدث الندرة أثرها فى النفوس. هل تظنون أن كل الجهات التى ترتزق من الحج تتحمل ترف إلغائه؟ ماذا تفعل البعثة الرسمية للدولة التى يهبر أفرادها بدل السفر ويستمتعون بالأكل والشرب والإقامة المجانية؟ وماذا تفعل بعثة وزارة الداخلية وبعثة وزارة الأوقاف وبعثة وزارة الصحة وكل هذه البعثات التى تنحت من لحم المواطن المصرى. لن ترضى كل هذه الجهات أن تستمع لأى آراء تطالب بتأجيل الفريضة هذا العام.. قد يسمحون فقط بصدور بضعة فتاوى لصالح إلغاء الحج من أجل تحلية البضاعة فقط، لكنهم فى الوقت المناسب سيستصدرون فتوى تكون بمثابة عصا موسى تلتهم كل الفتاوى التى تتلوى على الأرض وتعلن أن الحج هذا العام حلال وواجب شرعاً.. وإن غداً لناظره قريب.