من يهدد إسرائيل؟

يتعين علينا أن نقرأ بعناية كيف تنظر إسرائيل للمستقبل. ومن هنا يكتسب المقال الذى كتبه مايكل أورن أول هذا الشهر فى مجلة كومنتارى اليهودية الأمريكية بعنوان «التهديدات الوجودية السبعة لإسرائيل» أهمية خاصة. ومايكل أورن هو المؤرخ الإسرائيلى اليمينى الذى قيل إن نتنياهو اختاره سفيرا لإسرائيل لدى الولايات المتحدة.
ولعل أهم ما فى المقال هو الترتيب الذى اختاره الكاتب لتلك التهديدات السبعة. فقد تبين أن مصدر التهديد الوجودى لإسرائيل كما يراه اليمين الإسرائيلى لا يأتى من الدول العربية- المعتدلة والممانعة- ولا حتى من حركات المقاومة وإنما يأتى من الشعب الفلسطينى الأعزل واليهود الأرثوذكس والمجتمع المدنى العربى والدولى!
تفاصيل ذلك أن أورن اعتبر التهديد الوجودى الأول الذى تواجهه إسرائيل هو ضياع القدس «لا بسبب الجيوش العربية»، على حد تعبيره وانما بسبب التركيبة السكانية للمدينة، فالقدس لأول مرة منذ نشأة إسرائيل «لم تعد تتمتع بأغلبية صهيونية».
فمن بين 800 ألف يسكنون المدينة يقول أورن إن العرب يشكلون 272 ألفا، بينما يشكل اليهود الأرثوذكس الذين لا يؤمنون بالمشروع الصهيونى 200 ألف، بل أكثر من ذلك صارت المدينة طاردة لليهود العلمانيين خصوصا من الشباب حديثى الزواج.
أما التهديد الثانى من وجهة نظره فهو ما سماه «التهديد الديموجرافى العربى»، بمعنى تزايد معدل النمو السكانى للعرب بشكل أسرع بكثير من معدل النمو السكانى لليهود ليس فقط فى الأراضى المحتلة وانما داخل إسرائيل نفسها.
ويقول أورن إن استمرار ذلك الخطر يعنى أن تضطر إسرائيل مستقبلا «للاختيار بين ديمقراطيتها ويهوديتها». فإذا ما اختارت الديمقراطية، أى إعطاء حقوق المواطنة المتساوية لكل سكانها من العرب واليهود فإن ذلك معناه نهاية يهودية الدولة بل والمشروع الصهيونى نفسه، أما إذا اختارت يهوديتها فإنها ستصبح بالضرورة لا ديمقراطية، الأمر الذى يعرضها للعزلة الدولية وربما للعقوبات.
أما التهديد الوجودى الثالث فهو ما سماه أورين ب«نزع الشرعية» عن إسرائيل ويقصد به حملات المقاطعة الدولية لإسرائيل وتلك التى تهدف لفرض عقوبات عليها وتقوم على فضح الممارسات الإسرائيلية.
ويرى أورين أن تلك الحملات صارت مؤخرا تحقق نجاحا من شأنه أن يدمر إسرائيل اقتصاديا ويحرمها من القدرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديد الوجودى الذى يمثله «الإرهاب وإيران». وكما هو واضح، يعطى أورين لتلك التهديدات الثلاثة السابق ذكرها أولوية فى خطورتها حتى بالمقارنة بتهديد حماس وحزب الله وإيران الذين جاء تهديدهم عنده فى المرتبة الرابعة والخامسة.
ويمثل كل ذلك مفارقتين جديرتين بالتأمل. فإذا كان العامل السكانى هو جوهر التهديد الأول والثانى، يصبح الوقت هو العدو الأول لإسرائيل ويصبح حل الدولتين هو المخرج لحل معضلتها.
والمفارقة الأولى هى أن إسرائيل رغم ذلك ليست هى الطرف الذى يدفع نحو التسوية على أساس الدولتين بل على العكس هى تعرقل الجهود العربية المبذولة فى ذلك الاتجاه، الأمر الذى قد يعنى أن إسرائيل تراهن على المخرج الآخر الوحيد من تلك المعضلة وهو طرد الفلسطينيين.
أما المفارقة الثانية التى ينبغى أن نتأملها جيدا فهى أن أورن يعتبر أن حملات المقاطعة العربية والدولية وفضح الممارسات الإسرائيلية «تهديدا وجوديا» قدمه على التهديد الذى تمثله صواريخ حماس وحزب الله بل والنووى الإيرانى!