ثم بكى.. وراح يمسح دموعه

فى 20 يوليو 1969، هبط رائد الفضاء الأمريكى «أرمسترونج» لأول مرة على القمر، وقال عبارته الشهيرة: هذه خطوة صغيرة للإنسان.. ولكنها قفزة عملاقة للإنسانية!
وقد احتفل العالم، هذا الأسبوع، بالذكرى الأربعين لهذا الحدث الفريد، وكان مدهشًا أن يقترن الاحتفال برحيل «والتر كرونكايت»، المذيع الأمريكى الأشهر، الذى غطى الحدث تليفزيونيًا، وقتها، وأثار الدنيا بكلماته على الشاشة!
وربما لا يعرف كثيرون، أنه غطى أيضًا حادث مقتل جون كيندى عام 62، بعد أن كان قد التقى به فى حوار شهير قبلها بشهرين، وكان هو الذى غطى واقعة مقتل «مارتن لوثر كينج» المدافع الأول عن حقوق السود فى الولايات المتحدة عام 69، وبعدها كان من حظه أن يغطى فضيحة «ووترجيت» التى أطاحت بالرئيس نيكسون خارج البيت الأبيض يوم الجمعة 9 أغسطس 74،
وكان «كرونكايت» هو الذى تلقف استعداد السادات العظيم للذهاب إلى القدس، من أجل السلام، فراح يدعو إلى الفكرة، مبكراً، وظل يروج لها، على امتداد العالم، حتى إذا أقدم عليها السادات فعلاً، فى 19 نوفمبر 77، كانت الدنيا قد تهيأت لها تمامًا، بفضل «كرونكايت» الذى ولد عام 1916، واعتزل عام 1981، ومات عام 2009!
كانت له مدرسة لا تخطئها العين على الشاشة، ولا تخطئها الأذن، حين تسمعه بصوته المميز للغاية، وكانت طبيعة الخبر، الذى يذيعه على الناس، تظهر على وجهه، وتتجسد فى ملامحه، على الفور، وكان إذا أذاع خبراً فيه إحراج لبلده - مثلاً - ظهر الإحراج على وجهه منذ الوهلة الأولى..
وحين تولى نقل خبر مقتل كيندى، فإنه بكى، ورفع نظارته ليمسح دموعه من تحتها بتأثر بالغ، وكان يتأسى للخبر الحزين، وتبدو السعادة فى عينيه، إذا ساق إلى الناس خبراً مبهجاً، ولكنه فى الوقت ذاته، وهذا مهم جداً، لم يكن يحاول أبدًا أن يلون الخبر شأن كثيرين عندنا، ولا كان يتفلسف ويبدى رأيه فى الخبر كما يفعل كثيرون من مذيعينا، ومقدمى برامج التوك شو «إذا جاء المساء» كان يقدم الخبر بموضوعية، وحياد، وإصرار على حق المشاهدين فى أن يتلقوا الخبر كما هو، دون إضافة مكسبات الطعم والرائحة إليه،
وكان يحترم مشاهديه تمامًا، وكانت مدة الخبر لا تزيد معه على دقيقتين اثنتين أياً كان الظرف، ولم يخرج على هذه القاعدة مطلقاً، إلا حين تناول فضيحة «ووترجيت» مرتين: مرة فى 8 دقائق، وأخرى فى 14 دقيقة، وكان الخبر الذى لا يذيعه هو، لا يعتبر خبراً، وحين بلغ الخامسة والستين قال إنه سوف يعتزل، ولم يصدقه الناس، ولكنه اعتزل فعلاً وهو فى عز مجده، حتى استيقظ العالم على خبر رحيله، لتكون حياته بامتدادها، درساً فى معنى أن يحترم الإنسان نفسه، ويحترم الآخرين!!