تنسيق الثانوية العامة 2025.. قرارات عاجلة من المجلس الأعلى للجامعات هذا العام    انتخابات الشيوخ 2025.. حزب العدل يطلق حملة لدعم مرشحيه في القاهرة الكبرى    "الزراعة" تستعرض أنشطة مبادرة تنمية المهارات الحياتية للمرأة الريفية "بنت الريف"    شقق بنك التعمير والإسكان 2025.. احجز وحدتك بالتقسيط حتى 10 سنوات    تراجع طفيف للأسهم الأمريكية في تعاملات الظهيرة    3 قتلى في حادث داخل مركز تدريب للشرطة في لوس أنجلوس    عبدالعاطي يلتقي نظيره السعودي.. وكاتب صحفي: أحداث المنطقة تستدعي تكاتفًا عربيًا    مكي: الصفقات الجديدة إضاقة قوية للزمالك في الموسم الجديد    ريال مدريد يرفع درجة الاستعداد: معسكر تكتيكي مكثف.. صفقات قوية.. وتحديات في روزنامة الليجا (تقرير)    محاولة فاشلة من أرسنال لحسم صفقة برتغالية    تين هاج يغلق الباب أمام انضمام أنتوني إلى ليفركوزن    مصر تحصد 4 ميداليات في البطولة الأفريقية لألعاب القوى بنيجيريا    رئيس «التغير المناخي» يكشف توقعات طقس الشتاء المقبل: سيول مفاجئة وفترات جفاف    لجنة في الكونجرس تنتقد السماح ببيع رقائق إنفيديا للصين    اشتعال النيران في سيارة بشارع 45 شرق الإسكندرية    هل ظهرت نتيجة الثانوية العامة 2025؟.. ما كشفته وزارة التعليم حتى الآن    أبرز الكتب بمعرض الكتاب.. مناقشة كتاب "يأجوج ومأجوج" بندوة بمكتبة الإسكندرية    نصر أبو زيد.. رجل من زمن الحداثة    من «خليك فاكرني» ل «ابتدينا».. 46 عملًا موسيقيًا جمعت الهضبة ب عمرو مصطفى (تقرير)    لف ودوران    التهامي: «الصوفية والحداثة» خطوة مهمة بدعم وزارة الثقافة والأوبرا    حسام حبيب يتعرض لكسر في القدم قبل أول حفل رسمي له بالسعودية    مفاجأة في واقعة مصرع 5 أشقاء بالمنيا.. الأب يعاني في المستشفى وابنته الأخيرة نفس الأعراض    أعقبته عدة هزات.. زلزال يضرب نابولي بإيطاليا    إنقاذ حياة طفل يعاني انسداد الإثنى عشر بمستشفى القناطر الخيرية    فحص 1250 مواطنا ضمن قوافل مبادرة حياة كريمة الطبية فى دمياط    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    اتفاقية بين مصر وأمريكا لمنح درجات الماجستير    من قلب برلين.. أشرف منصور: الجامعة الألمانية جسْر أكاديمي وثقافي بين مصر وأوروبا    تعرف على فريق عمل مسلسل ولد وبنت وشايب.. علاء عرفة أحدث المنضمين    الصحة: حملة تفتيشية على المنشآت الطبية الخاصة بغرب النوبارية بالبحيرة للتأكد من استيفائها للاشتراطات الصحية    المبعوث الأممي إلى سوريا يدعو لوقف الانتهاكات الإسرائيلية فورا    براتب 10000 جنيه.. «العمل» تعلن عن 90 وظيفة في مجال المطاعم    حماس: المقاومة جاهزة تماما لمواصلة معركة استنزاف طويلة ضد قوات الاحتلال    «النواب» يقر خطة ترامب لخفض تمويل المساعدات الخارجية ب 9 مليارات دولار    ضبط المتهم بإدارة كيان تعليمي للنصب على المواطنين بالقاهرة    حزب مصر أكتوبر: العلاقات "المصرية السعودية" تستند إلى تاريخ طويل من المصير المشترك    التفاصيل الكاملة لأزمة «الوفد في القرآن».. و«كريمة» يطالب بمحاكمة عبدالسند يمامة    الهيئة الوطنية تعلن القائمة النهائية لمرشحي الفردي ب"الشيوخ" 2025 عن دائرة الإسكندرية    جهاز تنمية المشروعات ينفذ خطة طموحة لتطوير الخدمات التدريبية للعملاء والموظفين    وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية ومحافظ كفر الشيخ يفتتحون المرحلة الأولى من تطوير مسجد إبراهيم الدسوقي    مصرع عامل في حريق اندلع داخل 3 مطاعم بمدينة الخصوص    وسط أجواء احتفالية وإقبال كبير.. انطلاق الموسم الخامس من مهرجان "صيف بلدنا" بمطروح    فتح طريق الأوتوستراد بعد انتهاء أعمال الإصلاح وعودة المرور لطبيعته    بعد تصريحه «الوفد مذكور في القرآن».. عبدالسند يمامة: ما قصدته اللفظ وليس الحزب    إيطاليا: كنائس القدس قدمت 500 طن من المساعدات إلى غزة    وزير الخارجية يواصل اتصالاته لخفض التصعيد بين إيران وإسرائيل وتفعيل المسار الدبلوماسي    المشاط تعقد اجتماعًا موسعًا مع منظمات الأمم المتحدة و التمويل الدولية لبحث تنفيذ مخرجات المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية    نصر أبو الحسن وعلاء عبد العال يقدمون واجب العزاء في وفاة ميمي عبد الرازق (صور)    عاشور وناجي في القائمة النهائي لحكام أمم إفريقيا للمحليين    الرعاية الصحية وهواوي تطلقان أول تطبيق ميداني لتقنيات الجيل الخامس بمجمع السويس الطبي    قبل ترويجها للسوق السوداء.. ضبط 4 طن من الدقيق الأبيض والبلدي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 18-7-2025 في محافظة قنا    الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار السموم: ضبط مخدرات ب50 مليون جنيه وأسلحة نارية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فشكراً أشرف!?    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة 18-7-2025    الهاني سليمان: الأهلي لا تضمنه حتى تدخل غرف الملابس.. والزمالك أحيانا يرمي "الفوطة"    هل تعد المرأة زانية إذا خلعت زوجها؟ د. سعد الهلالي يحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنات الجواهرى

غادرت مصر فى رحلة استشفاء قصيرة لمدة أسبوعين، ولى طقوس معينة عندما أسافر خارج الوطن تكاد لا تختلف. آخذ معى بعض أغنيات أم كلثوم والجهاز الذى يشدو بها كل ليلة قبل النوم. ومن أغانى أم كلثوم ما يثير اللوعة والشجن، ومن أغانيها ما يكون كلسع السوط أحياناً مع روعة الأداء وقوة الصوت والتعبير فى كل الأحوال.
وإلى جوار أم كلثوم أختار بعض الشعر، وفى هذه المرة اصطحبت معى جزءاً من ديوان المتنبى، ومختارات من شعر الجواهرى.
واليوم هو يوم سبت وليس فيه علاجات كثيرة ومددت يدى إلى ديوان الجواهرى وفتحته فإذا بى أقع على «أناته» على العراق، وهى أنات تصلح على الأمة كلها بغير فارق بين هذا القطر أو ذاك.
وقد يكون من القراء من لا يعرف الجواهرى فلابد من تقديم يسير له.
الجواهرى - محمد مهدى الجواهرى - من أكبر شعراء العربية خلال القرن العشرين كله، ولد الجواهرى فى النجف عام 1899 ورحل عن عالمنا وعمره يناهز مائة عام فى فجر يوم 27 يوليو 1997. وكان رحيله عن الدنيا فى دمشق مغترباً عن العراق. وما أكثر ما طالت غيبته عن العراق وعن الوطن العربى كله.
وقد بدأ يقول الشعر فى مطلع العشرينيات من القرن العشرين وظل طوال ثمانين عاماً يغرد شعراً قوياً رائعاً، عاصر شوقى وحافظ والزهاوى والرصافى، وعاصر التابعين وتابعى التابعين من شعراء العربية، وظل طوال حياته وفياً للشعر العمودى، شعر العروض والقافية، ولكن ذلك أبداً لم يكن على حساب المعنى والموضوع الشعرى وروعة المشاعر والأحاسيس.
وعندما فتحت ديوانه صباح اليوم وقعت عينى على قصيدة له ينادى فيها الشعب العربى «النائم»، الذى لا يريد أن يستيقظ مع الدنيا، الشعب العربى فى العراق وفى مصر وفى كل مكان سادر فى غفوته وسباته والعالم حوله يتغير فى كل لحظة ويسير إلى الأمام، وكانت هذه القصيدة من إنتاجه عام 1951 ومازال الشعب العربى بعد أكثر من نصف قرن نائماً غافلاً مغيّباً، وكأن ذلك بفعل فاعل بل ولعله بفعل فاعل. ومن يدرى فقد تكون أنظمة الحكم هى مصدر هذا النوم العميق بغير نهاية.
نامى جياع الشعب نامى
حرستك آلهة الطعام
نامى فإن لم تشبعى
من يقظة فمن المنام
نامى تصحّى! فنعم
نوم المرء فى الكرب الجسام
وإذا كانت غالبية الشعب العربى جوعى فالخطاب موجه للشعب العربى كله.
ويسترسل الجواهرى فى قصيدته تلك المعبرة المؤلمة قائلاً:
نامى كعهدك بالكرى
وبلطفه من عهد حام
نامى وسيرى فى منامك
ما استطعت إلى الأمام
نامى على تلك العظات
لغر من ذاك الإمام
يوصيك أن لا تطعمى
من مال ربك فى حطام
يوصيك أن تدعى المباهج
واللذائذ للئام
وتعوضى عن كل ذلك
بالسجود وبالقيام
أليس هذا هو ما كان يقوله ومازال يقوله بعض رجال الدين ممن ينظرون إلى الدين نظرة لا ترى غير شكل الأمور، وتعرض عن جوهر الدين الذى يدعو إلى الحياة القوية العالمة المتطلعة دوماً إلى التقدم والمعرفة والازدهار.
ويختم القصيدة بقوله:
نامى على المجد القديم
وفوق كوم من عظام
ما زالت محطات فضائية كثيرة لا هم لها إلا تلك الدعوة للنوم العميق، لعل السلطان يرضى عنهم وعن النائمين، وقد مات الجواهرى، ولكن دعوته مازالت قائمة ومازالت الاستجابة لها على أفضل ما يكون!!
ولم أقف طبعاً عند هذه القصيدة من مختارات الجواهرى، ولكن عشت مع روائع أخرى.
وكان الجواهرى أقرب إلى اليسار الماركسى - مع وجود جذور دينية عميقة - ولذلك كانت علاقته بالنظام فى العراق وبكثير من الأنظمة العربية علاقة نفور متبادل، ولذلك قضى الجواهرى أغلب عمره فى المنافى سواء الطوعية أو الإجبارية.
وكان الجواهرى يحب مصر - البلد - وينفر من نظام الحكم فيها نفوره من كل الأنظمة الفردية، وكانت علاقته قوية بالدكتور طه حسين، خاصة فى تلك الفترة التى أشرف فيها الدكتور طه على الإدارة الثقافية فى الجامعة العربية عقب إنشائها فى أوائل الخمسينيات، ودعاه طه حسين إلى القاهرة أكثر من مرة ولبى الدعوة شاكراً مسروراً بزيارته مصر.
وغاب الجواهرى فى منفاه الاختيارى فى مدينة «براغ» التى كانت فى ذلك الوقت قلعة من قلاع الماركسية اللينينية حيث أقام عشرين عاماً متواصلة، يسمع أخبار الوطن العربى التى لم تكن تسره من الصحافة والإذاعات والزوار، ولكنه لم ينقطع أبداً عن الإحساس بهموم الوطن ومعاناته.
وكان الجواهرى يقدر عبدالناصر تقديراً كبيراً، ولكنه لا يغفل عن الجوانب السلبية فى نظام حكمه، وعندما توفى عبدالناصر حزن عليه الجواهرى وحضر إلى القاهرة ليشارك فى تأبينه بقصيدة من روائعه يفتتحها بقوله:
أكبرت يومك أن يكون رثاء
الخالدون عهدتهم أحياء
ويعبر عن رأيه فى تقدير عبدالناصر قائلاً:
أثنى عليك وما الثناء عبادة
كم أفسد المتعبدون ثناء
ويقول ذلك البيت الرائع الذى ما أفتر أردده:
لا يعصم المجد الرجال وإنما
كان الرجال المجد والأخطاء
نعم يا عبدالناصر كنت عظيماً وكنت قائداً فذاً، ولكن مَنْ مِن عظماء التاريخ - حتى الأنبياء - لم يكن لديه أخطاء إلى جوار العظمة، ولم يكن لديه سلبيات إلى جوار إيجابياته الكثيرة.
حقاً:
لا يعصم المجد الرجال وإنما
كان الرجال المجد والأخطاء
كنت ابن أرضك من صميم ترابها
تعطى الثمار ولم تكن عنقاء
قد كان حولك ألف جار يبتغى
هدماً ووحدك من يريد بناء
ويقول فى ختام هذه القصيدة الرائعة:
وعليك يا فخر الكفاح تحية
فى مثل روحك طيبة ونقاء
ولقد حملت من الأمانة ثقلها
لم تلقها برما ولا إعياء
رحم الله عبدالناصر ورحم الله الجواهرى، ورحم كل عظماء هذه الأمة، ولعن الله كل من أهانوها وأذلوها.
وقد كان من حظى أن أرى الشاعر الكبير محمد مهدى الجواهرى فى أواخر حياته وفى آخر زيارة له للقاهرة عندما احتفلت دار الهلال بمرور مائة عام على إنشائها، ودعت الجواهرى إلى الحفل الذى أقامته فى دار الأوبرا، وتكرمت ودعتنى إليه وفى ذلك الحفل رأيت الجواهرى وصافحته فى آخر زيارة له إلى القاهرة قبل أن يرحل إلى دمشق ويلقى ربه فيها عام 1997.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.