مسئولو جهاز تنمية المشروعات يستعرضون الخريطة الاستثمارية بالمحافظات وملامح الاستراتيجية الوطنية للحرف اليدوية    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة قنا    Cairo ICT 2025 ينطلق في نوفمبر المقبل تحت رعاية وزارة الاتصالات بمشاركة قادة التكنولوجيا من مصر والعالم    فيديو.. وصول الرئيس السيسي لمقر إقامته في بروكسل وسط احتشاد أبناء الجاليات    نتنياهو: التقيت رئيس المخابرات المصرية وناقشنا تعزيز خطة ترامب    257 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح متجهة إلى معبر كرم أبو سالم لإغاثة قطاع غزة    تحرير 126 مخالفة تموينية متنوعة بالقاهرة    حالة الطقس المتوقعه اليوم الثلاثاء 21اكتوبر 2025فى محافظة المنيا    ضبط 3 تشكيلات عصابية تخصصت في سرقة السيارات والشقق والدراجات النارية بعدة محافظات    رئيس حي شرق مدينة نصر يغلق مدرسة غير مرخصة بشارع الفلوجة    استعراضات شعبية للأنفوشي وملوي في رابع أيام مهرجان تعامد الشمس    أمينة خليل تحسم الجدل حول مشاركتها في السباق الرمضاني 2026    العالم يترقب الافتتاح.. المتحف المصرى الكبير صرح ثقافي يروي قصة حضارة شكلت ضمير الإنسانية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة قنا    إزالة 65 إعلانًا مخالفًا بالرياض في كفر الشيخ    اللجنة الأولمبية تُحيل عمر عصر ومحمود أشرف إلى لجنة القيم    التضامن: فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه- 2026م.. غدا    إصابة 10 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    هل الاحتفال بمولد سيدنا الحسين بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة: إدخال تقنيات المستشفيات الذكية والجراحة الروبوتية ضمن المنظومة    عضو الجمعية المصرية للحساسية: ضعف المناعة والتدخين أبرز محفزات ارتكاريا البرد    شريف عرفة:" ولي الدين عاش كابوساً بسبب كواليس"الناظر".. و "أحمد زكي لم يكن أبًا عظيمًا في حياته"    قادما من كفر الشيخ.. اصطدام قطار برصيف 3 في محطة مصر    ترافقه لعنة أموال القذافى ..الرئيس الفرنسي السابق "ساركوزى" يصل السجن لتنفيذ حكم حبسه 5 سنوات    أمير قطر: آن الأوان لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وما جرى فى غزة إبادة جماعية    وزير الدفاع يستقبل اللواء محمود توفيق ووفد من قيادات الشرطة لتقديم التهنئة بمناسبة انتصارات أكتوبر    وزير الصحة يستقبل سفير فرنسا بمصر للإتفاق على تنفيذ خطة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    تنس طاولة - محمود أشرف: أعتذر عما حدث مع عمر عصر.. ومستعد للمثول للتحقيق    الخميس.. محمد ثروت ومروة ناجى بقيادة علاء عبد السلام على مسرح النافورة    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    اليوم، ختام تعديل رغبات الانضمام لعضوية اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    نقيب المحامين يترأس اليوم جلسة حلف اليمين للأعضاء الجدد    مخاطر تقديم الكافيين للأطفال الأقل من 12 عاما    الخارجية الروسية: لم يتم الاتفاق على عقد لقاء بين لافروف وروبيو    تصريحات ذكرتنا بالحقائق    أمريكا وأستراليا توقعان إطارا للمعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي القاهرة وكفر الشيخ    صندوق التنمية المحلية يمول 614 مشروع ب10 ملايين جنيه خلال 3 أشهر    أمينة خليل: أنا وسط البنات اللي في جيلي تأخرت شوية في الجواز    ياسين منصور: لا ديكتاتورية في الأهلي.. وهذه تفاصيل جلستي مع الخطيب    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    مع اقتراب دخول الشتاء.. أبراج تبحث عن الدفء العاطفي وأخرى تجد راحتها في العزلة    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    إصابة 13 شخصا إثر انقلاب ميكروباص فى العياط    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    المشرف على رواق الأزهر عن جدل مولد السيد البدوي: يجب الترحم عليهم لا الرقص عند قبورهم    نيويورك تايمز: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع حماس    جامعة قنا تطلق مشروع التطوير الشامل للمدن الجامعية    "تأهيل وتوعية الطلاب بدور المشروعات المتوسطة والصغيرة فى تعزيز الاقتصاد".. ندوة ب"طب بيطري بنها"    وليد عبداللطيف: الأهواء الشخصية تسيطر على اختيارات مدربي المنتخبات الوطنية    وزير الصحة يتابع نتائج زيارته إلى الصين لتعزيز التعاون في الصناعات الدوائية والتحول الرقمي    أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    بيان عاجل لوزارة العمل حول زيادة الحد الأدنى للأجور    متحدث «الشباب والرياضة» يكشف أزمة الإسماعيلي بالتفاصيل    موعد مباراة برشلونة وأولمبياكوس بدوري أبطال أوروبا.. والقنوات الناقلة    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنات الجواهرى

غادرت مصر فى رحلة استشفاء قصيرة لمدة أسبوعين، ولى طقوس معينة عندما أسافر خارج الوطن تكاد لا تختلف. آخذ معى بعض أغنيات أم كلثوم والجهاز الذى يشدو بها كل ليلة قبل النوم. ومن أغانى أم كلثوم ما يثير اللوعة والشجن، ومن أغانيها ما يكون كلسع السوط أحياناً مع روعة الأداء وقوة الصوت والتعبير فى كل الأحوال.
وإلى جوار أم كلثوم أختار بعض الشعر، وفى هذه المرة اصطحبت معى جزءاً من ديوان المتنبى، ومختارات من شعر الجواهرى.
واليوم هو يوم سبت وليس فيه علاجات كثيرة ومددت يدى إلى ديوان الجواهرى وفتحته فإذا بى أقع على «أناته» على العراق، وهى أنات تصلح على الأمة كلها بغير فارق بين هذا القطر أو ذاك.
وقد يكون من القراء من لا يعرف الجواهرى فلابد من تقديم يسير له.
الجواهرى - محمد مهدى الجواهرى - من أكبر شعراء العربية خلال القرن العشرين كله، ولد الجواهرى فى النجف عام 1899 ورحل عن عالمنا وعمره يناهز مائة عام فى فجر يوم 27 يوليو 1997. وكان رحيله عن الدنيا فى دمشق مغترباً عن العراق. وما أكثر ما طالت غيبته عن العراق وعن الوطن العربى كله.
وقد بدأ يقول الشعر فى مطلع العشرينيات من القرن العشرين وظل طوال ثمانين عاماً يغرد شعراً قوياً رائعاً، عاصر شوقى وحافظ والزهاوى والرصافى، وعاصر التابعين وتابعى التابعين من شعراء العربية، وظل طوال حياته وفياً للشعر العمودى، شعر العروض والقافية، ولكن ذلك أبداً لم يكن على حساب المعنى والموضوع الشعرى وروعة المشاعر والأحاسيس.
وعندما فتحت ديوانه صباح اليوم وقعت عينى على قصيدة له ينادى فيها الشعب العربى «النائم»، الذى لا يريد أن يستيقظ مع الدنيا، الشعب العربى فى العراق وفى مصر وفى كل مكان سادر فى غفوته وسباته والعالم حوله يتغير فى كل لحظة ويسير إلى الأمام، وكانت هذه القصيدة من إنتاجه عام 1951 ومازال الشعب العربى بعد أكثر من نصف قرن نائماً غافلاً مغيّباً، وكأن ذلك بفعل فاعل بل ولعله بفعل فاعل. ومن يدرى فقد تكون أنظمة الحكم هى مصدر هذا النوم العميق بغير نهاية.
نامى جياع الشعب نامى
حرستك آلهة الطعام
نامى فإن لم تشبعى
من يقظة فمن المنام
نامى تصحّى! فنعم
نوم المرء فى الكرب الجسام
وإذا كانت غالبية الشعب العربى جوعى فالخطاب موجه للشعب العربى كله.
ويسترسل الجواهرى فى قصيدته تلك المعبرة المؤلمة قائلاً:
نامى كعهدك بالكرى
وبلطفه من عهد حام
نامى وسيرى فى منامك
ما استطعت إلى الأمام
نامى على تلك العظات
لغر من ذاك الإمام
يوصيك أن لا تطعمى
من مال ربك فى حطام
يوصيك أن تدعى المباهج
واللذائذ للئام
وتعوضى عن كل ذلك
بالسجود وبالقيام
أليس هذا هو ما كان يقوله ومازال يقوله بعض رجال الدين ممن ينظرون إلى الدين نظرة لا ترى غير شكل الأمور، وتعرض عن جوهر الدين الذى يدعو إلى الحياة القوية العالمة المتطلعة دوماً إلى التقدم والمعرفة والازدهار.
ويختم القصيدة بقوله:
نامى على المجد القديم
وفوق كوم من عظام
ما زالت محطات فضائية كثيرة لا هم لها إلا تلك الدعوة للنوم العميق، لعل السلطان يرضى عنهم وعن النائمين، وقد مات الجواهرى، ولكن دعوته مازالت قائمة ومازالت الاستجابة لها على أفضل ما يكون!!
ولم أقف طبعاً عند هذه القصيدة من مختارات الجواهرى، ولكن عشت مع روائع أخرى.
وكان الجواهرى أقرب إلى اليسار الماركسى - مع وجود جذور دينية عميقة - ولذلك كانت علاقته بالنظام فى العراق وبكثير من الأنظمة العربية علاقة نفور متبادل، ولذلك قضى الجواهرى أغلب عمره فى المنافى سواء الطوعية أو الإجبارية.
وكان الجواهرى يحب مصر - البلد - وينفر من نظام الحكم فيها نفوره من كل الأنظمة الفردية، وكانت علاقته قوية بالدكتور طه حسين، خاصة فى تلك الفترة التى أشرف فيها الدكتور طه على الإدارة الثقافية فى الجامعة العربية عقب إنشائها فى أوائل الخمسينيات، ودعاه طه حسين إلى القاهرة أكثر من مرة ولبى الدعوة شاكراً مسروراً بزيارته مصر.
وغاب الجواهرى فى منفاه الاختيارى فى مدينة «براغ» التى كانت فى ذلك الوقت قلعة من قلاع الماركسية اللينينية حيث أقام عشرين عاماً متواصلة، يسمع أخبار الوطن العربى التى لم تكن تسره من الصحافة والإذاعات والزوار، ولكنه لم ينقطع أبداً عن الإحساس بهموم الوطن ومعاناته.
وكان الجواهرى يقدر عبدالناصر تقديراً كبيراً، ولكنه لا يغفل عن الجوانب السلبية فى نظام حكمه، وعندما توفى عبدالناصر حزن عليه الجواهرى وحضر إلى القاهرة ليشارك فى تأبينه بقصيدة من روائعه يفتتحها بقوله:
أكبرت يومك أن يكون رثاء
الخالدون عهدتهم أحياء
ويعبر عن رأيه فى تقدير عبدالناصر قائلاً:
أثنى عليك وما الثناء عبادة
كم أفسد المتعبدون ثناء
ويقول ذلك البيت الرائع الذى ما أفتر أردده:
لا يعصم المجد الرجال وإنما
كان الرجال المجد والأخطاء
نعم يا عبدالناصر كنت عظيماً وكنت قائداً فذاً، ولكن مَنْ مِن عظماء التاريخ - حتى الأنبياء - لم يكن لديه أخطاء إلى جوار العظمة، ولم يكن لديه سلبيات إلى جوار إيجابياته الكثيرة.
حقاً:
لا يعصم المجد الرجال وإنما
كان الرجال المجد والأخطاء
كنت ابن أرضك من صميم ترابها
تعطى الثمار ولم تكن عنقاء
قد كان حولك ألف جار يبتغى
هدماً ووحدك من يريد بناء
ويقول فى ختام هذه القصيدة الرائعة:
وعليك يا فخر الكفاح تحية
فى مثل روحك طيبة ونقاء
ولقد حملت من الأمانة ثقلها
لم تلقها برما ولا إعياء
رحم الله عبدالناصر ورحم الله الجواهرى، ورحم كل عظماء هذه الأمة، ولعن الله كل من أهانوها وأذلوها.
وقد كان من حظى أن أرى الشاعر الكبير محمد مهدى الجواهرى فى أواخر حياته وفى آخر زيارة له للقاهرة عندما احتفلت دار الهلال بمرور مائة عام على إنشائها، ودعت الجواهرى إلى الحفل الذى أقامته فى دار الأوبرا، وتكرمت ودعتنى إليه وفى ذلك الحفل رأيت الجواهرى وصافحته فى آخر زيارة له إلى القاهرة قبل أن يرحل إلى دمشق ويلقى ربه فيها عام 1997.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.