عمالقة المستثمرين فى البورصات وأسواق المال العالمية انهارت حساباتهم للاستثمار فى الانترنت والإعلام الالكترونى على يد تلميذ عمره 15 عاما يتدرب فى مؤسسة مورجان ستانلى، ضمن تقليد تدريب تلاميذ السنة التى تسبق التوجيهية لمدة أسبوعين على الخبرة العملية لمساعدتهم على اختيار مرحلة ما بعد الثانوية والتعامل مع مشاكل عملية دون مساعدة أستاذ الفصل أو الأبلة؛ أو بابا وماما فى البيت. ولأن المجتمع البريطانى طبقى (اجتماعيا وليس ماديا؛ فدخلى السنوى مثلا أقل من ربع دخل السباك أو الميكانيكى ومع ذلك هم طبقة عاملة بالوراثة، بينما أنتمى أنا للطبقة الوسطى حسب تقاليد إنجليزية غير قابلة للتغيير)، تجد تلاميذ وتلميذات أسر الطبقة الوسطى الفرصة، عن طريق بابا، وأونكل، وتانت، للتدريب فى مكاتب المحاماة والصحف والبرلمان (يتدرب معى حاليا تلميذ نشط، ربما يشفيه العمل معى من جنون حب الصحافة ويهديه الله لاتجاه يضمن عيشا رغيدا كدراسة المحاماة بدلا من شغلتنا التى تقصر العمر وتكسبه من الأعداء أضعاف الأصدقاء). أما أبناء الطبقات العاملة فغالبا ما يتدربون فى ورش إصلاح السيارات والمصانع، والبنات فى صالونات التجميل أو المحال الكبرى، إلا إذا تدخل الأستاذ أو الأبلة الناظرة عند اكتشاف موهبة خارج تصنيفات الطبقة العاملة فيتوسطون عند البنوك ومكاتب المحاماة. قسم التحليل الإعلامى فى مورجان ستانلى كلف التلميذ ماثيو بإعداد تقرير بعنوان «الاستهلاك الإعلامى بين المراهقين والمراهقات»، فالقراء والمشاهدون هم مستهلكون لسلعة إعلامية فى السوق الحرة لأن الإعلام مثل أى سلعة استهلاكية أخرى يعمل منتجوها، وهم شركات خاصة، على البحث المستمر فى حاجة السوق الاستهلاكية للسلعة. انبهر المسؤولون فى «مورجان ستانلى» بتقرير لخص فيه الصغير ماثيو برؤية واضحة ولغة مبسطة مفهومة للقارئ فنشروه بين المشتركين فى الدوريات المتخصصة فى الاستثمار؛ وجاء رد الفعل ستة أضعاف رد الفعل للدوريات العادية؛ كما بحث فى اجتماع سنوى للمستثمرين قى صان فالى فى ولاية أيداهو. دراسة «ماثيو» زلزلت قواعد البنيان التسويقى المستقبلى لمورجان ستانلى والمؤسسات المشابهة، وقلبت حسابات الاستثمار فى الإنترنت والإعلام الإلكترونى رأسا على عقب. أكبر المتضررين هم حملة أغلبية أسهم عمالقة الإنترنت مثل «جوجل»، و«تويتر» الذى اكتسب شهرة واسعة كوسيلة اتصال نظم بها الإيرانيون مظاهرات الاحتجاج على تزوير الانتخابات الرئاسية؛ وطبعا بيل جيتس صاحب ميكروسوفت. أمسك الصغير بالطباشيرة وكتب على سبورة الكبار أن أغلبيه جيله (مستهلكى الإعلام الالكترونى بعد خمسة أعوام) يتصلون ببعضهم البعض ويعرفون أخبار الدنيا عبر التليفون الموبايل. مراهقو أوروبا لا يستخدمون تويتر لأنه «مكلف» على الموبايل ويفضلون «فيس بوك» كما أنهم لا يقرأون الصحف «فالمقالات مطولة مملة»، ويفضلون عليها «التكست». ولا يستمعون للراديو، مفضلين تنزيل الموسيقى «مجانا» من الإنترنت. الصدمة الكبرى كانت إجماع جيل ماثيو على أن «الإعلانات» وسط برامج التليفزيون أو على مواقعهم المفضلة على الإنترنت «مضايقة جدا» وتدفعهم لترك الموقع أو تغيير محطة التليفزيون؛ صدمة قاسية لكبريات وكالات الإعلان. فالإعلان كان الوسيلة الأكثر ضمانا حتى الآن فى تحقيق دخل من المواقع ومحركات البحث. وبالطبع توقف كبار المستثمرين عن محاولة شراء مواقع ومحركات بحث على الإنترنت (باستثناء فيس بوك) حتى تتضح الصورة. وربما لو كانت البنوك العالمية وظفت فى الماضى بسطاء أذكياء من عينة ماثيو (بدلا من القطط السمان الذين ركزوا طاقاتهم على «لهف» الملايين من المضاربات) لدراسة اتجاهات الاستهلاك فى الأسواق المالية، لكان العالم نجا من مخالب الأزمة الاقتصادية الممسكة بزمارة رقبته!