حرب أمنية منظمة تشنها الحكومتان العاملتان فى الضفة الغربية وقطاع غزة فى الأشهر الأخيرة، تتخللها حملات اعتقال واتهامات ضد أنصار بعضها البعض، ولم تكن هذه الحرب بعيدة عن جلسات الحوار التى تنطلق من القاهرة تحت مسمى حل الملف الأمنى بكل تبعاته وتداعياته حتى تكون للحوار جدوى وللاتفاق تنفيذ. وفى الأشهر الأخيرة تبادل الطرفان، السلطة وحماس، حملات اعتقال واسعة، فاعتقلت السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية المئات من أعضاء حماس وأنصارها، وركزت حملتها على العاملين فى القنوات المالية والجناح العسكرى ل«حماس»، فى حين صبت الحكومة المقالة فى غزة جام غضبها فى حملتها على أعضاء حركة «فتح» ورجال الأجهزة الأمنية المحلولة. السلطة الفلسطينية من جانبها، تبرر حملتها على حماس فى الضفة الغربية بأنها رد على الحملة التى تقوم بها حماس على أعضاء فتح وأنصارها والحكومة والسلطة الفلسطينية فى قطاع غزة، كما تؤكد أن القنوات المالية لحركة حماس تتركز فى مدينة نابلس شمال الضفة، لكن حماس تنفى ذلك، متهمة السلطة بمصادرة أموال شخصية من رجال أعمال وشخصيات إسلامية. كانت الحكومة المقالة فى قطاع غزة، وضعت أيديها على جميع المؤسسات الحكومية، وعلى بيوت وممتلكات شخصية تعود لعدد من قادة فتح فى قطاع غزة. لطالما كان الملف الأمنى والأجهزة الأمنية مثار جدل وخلافات وتجاذبات، وأحياناً كثيرة يصل الأمر إلى حد الاقتتال بين حركتى فتح وحماس. لقد أثرت هذه الاتهامات المتبادلة وردود الأفعال الثأرية، من كلا الطرفين على فرص إنجاح الحوار، فالخلاف بين فتح وحماس لم يعد مقتصراً على البرامج السياسية والرؤى، بل أصبح يهدد مصالح الناس فى الضفة الغربية وقطاع غزة، فسياسة الفعل وردات الفعل أصبحت السمة السائدة للعلاقة بين الضفة وغزة، والأمثلة على ذلك كثيرة، يأتى فى نهايتها أنه فى الوقت الذى ترفض فيه حكومة رام الله إصدار جوازات سفر لأهالى غزة، تمنع حكومة حماس بعض الناس من مغادرة القطاع رداً على ذلك. وبدا واضحاً أن حركة حماس خلال جولات الحوار الماراثونية العديدة، والتى لم تصل إلى شىء حاسم حتى الآن، تريد الحفاظ بكل قوتها على المكتسبات التى حققتها منذ الانقلاب فى غزة. إن قيادة فتح ترى أن حماس تسعى من خلال الحوار والاتفاق مع الحركة، إلى الحصول على ثلاثة أهداف، أولها: الشرعية العربية والدولية والتسليم بوجودها كقوة فاعلة للوصول إلى منظمة التحرير، وهذا ما يفسر تشددها فى الملف الأمنى الذى يشكل العديد من العوائق فى الوصول إلى تفاهمات بينها وبين فتح، ثانيها: الأموال اللازمة لإعادة إعمار ما دمرته قوات الاحتلال فى الحرب الأخيرة على غزة، ثالثها: إعادة تشغيل معبر رفح الحدودى الذى يعتبر المنفذ الوحيد للفلسطينيين على العالم، وكل هذه العوامل تحمل فى طياتها عنصر السيادة والقوة والسيطرة، وتجعل من أمل العودة إلى الوحدة وإنهاء الانقسام، وما كانت عليه الأمور قبل انقلاب يونيو 2007 أمراً مستحيلاً وبعيد المنال!