شكل ملف المعتقلين بين حركتى فتح وحماس، ولايزال، الأزمة التى تفسد أى جولة للحوار، تنطلق من أجل المصالحة، والعقدة التى لا تجد طريقها إلى الحل وبدت مستعصية على الجميع، حتى وصل الأمر إلى تهديد الوزير عمر سليمان، رئيس الاستخبارات المصرية، الحركتين بأنه إذا استمر الجانبان فى المماحكات، وتم تعطيل الحوار، فإن مصر سترفع يدها عن رعايته. ولأن ملف الاعتقال السياسى هو العقبة الحقيقية التى تواجه اتفاق المصالحة بين الفلسطينيين، فقد شكلت لجنة مكلفة لمتابعته وكانت حركة حماس قدمت اقتراحاً لتفكيك الملف، ويتناول الاقتراح الوقف الفورى لجميع أشكال الاعتقالات والاستدعاءات فى الضفة الغربية، والإفراج فوراً عن جميع المعتقلين السياسيين فى غزة والضفة، إلا أنه حتى الآن لم يتم الاتفاق على كيفية إنهاء هذا الملف وتسويته، خاصة أن وفد فتح رفض التصور الذى عرضته حماس، مؤكدة أن الاعتقال السياسى كان نتيجة للانقسام، وليس سبباً، فإذا انتهى الانقسام سينتهى هذا الملف، وإن كانت هذه القضية تؤرق حركة حماس التى تقول إن هناك ما يزيد على 950 معتقلاً من حماس فى سجون السلطة، لا يمكن أن تجرى مصالحة فى ظل استمرار وجودهم، تؤكد فتح أن لدى حماس أيضاً أكثر من 209 معتقلين من أعضائها فى سجون الحركة فى غزة، بالإضافة إلى المئات الذين وضعتهم حماس تحت الإقامة الجبرية. غير أن الوزير عمر سليمان كان حاسماً فى هذا الأمر، وألمح إلى أن الاعتقال أتى كنتيجة طبيعية للانقسام، لذا وجبت معالجة الانقسام أولاً، لتكون الأولوية والأساس لإعادة لحمة الصف الفلسطينى، والذى تندرج تحته القضايا كافة، مهما بلغت أهميتها، ويبدو أن تحذيرات الوزير كان لها انعكاساتها المهمة، لا سيما فى قضيتى إعادة إعمار قطاع غزة، ومعبر رفح. ويرجح أن يكون وفد حماس قد خفض سقف شروطه فى الحوار الدائر، عندما قبل البحث فى القضايا العالقة قبل حسم ملف المعتقلين فى سجون السلطة، وربط ذلك بالجلسة المحورية التى وصفها بأنها حاسمة مع الوزير سليمان، رغم أن الخلافات لاتزال تراوح مكانها فى لجنة المعتقلين، ويبدو أن هذا الملف أكثر تعقيداً مما هو متصور، بل بدا مستعصياً على أى حل، ففى الوقت الذى تتم فيه مناقشته فى جلسات الحوار الدائرة بالقاهرة تستمر الاتهامات المتبادلة بين الحركتين بشأن استمرار حملة الاعتقالات فى الضفة وغزة، واتهمت الرئاسة الفلسطينية لأول مرة بشكل علنى عناصر من حماس بمحاولة القيام بعمل اغتيال ضد قيادات سياسية ووطنية وأمنية، ومهاجمة مؤسسات عامة فى الضفة، وأن السلطة اعتقلت خلية حماس التى كانت تنوى تنفيذ هذه الهجمات قبل يوم السابع من الشهر الحالى، الموعد المفترض للتوقيع على اتفاق المصالحة فى القاهرة، الأمر الذى نفته حماس، معتبرة ذلك انعكاساً لتراث السلطة غير المشرف من الفبركات، كاتهام الحركة بتشكيل قوة تنفيذية فى الضفة، ولا تعدو هذه الاتهامات كونها مجرد ترهات هدفها التشويش على الحوار، وتبرير التعاطى بشكل إيجابى مع متطلبات إنهاء الانقسام الداخلى، وفى وقت تُسلط فيه الأضواء على قرار إسرائيل بناء 1450 وحدة سكنية جديدة، تقدم السلطة الفلسطينية على إزعاج الناس بمثل هذه الفبركات، لكى لا يتحدث المواطنون عن الجرائم التى ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين. لكن رد حركة فتح جاء أكثر حدة واتهمت حماس بشن حملات خطف واسعة تتركز تحديداً فى شمال قطاع غزة، وشملت الكوادر القيادية والقاعدية والوسطى للحركة ليصل عدد المختطفين والمحتجزين حتى الآن إلى أكثر من 94 عضواً، ومازالت حماس تطارد العشرات من أبناء فتح بغية اختطافهم واحتجازهم، معتبرة ذلك دلالة واضحة وصريحة تعبر عن رغبة حماس فى تفجير الحوار وإنهاء الآمال بنجاح المصالحة الوطنية. هذا الجو المشحون بالتوتر والاختناق بين الطرفين خيم بظلاله القاتمة على جولة الحوار السادسة فلم تحرز أى تقدم ملموس وبدت الصورة أكثر شحوباً فى شأن الاتفاق، وهو الأمر الذى عززه تصريح أسامة حمدان، ممثل حماس فى لبنان، حينما وصف الجلسة بالمهمة جداً لكنها لن تكون حاسمة. وفى جو تسوده روح المكابرة وتبادل الاتهامات، واعتبار كل طرف الطرف الآخر هو المسؤول عن إفشال الاتفاق، فإن ذلك يؤكد مقولة إن الأطراف المتحاورة اتفقت على ألا تتفق!!