الإيمان بأهمية الحياة الزوجية لا يكفى حتى تكون حضرتك سعيداً فى حياتك الخاصة! وكذلك علاقتك مع ربنا، فالإيمان لا يكفى لصناعة متدين، يعبر بطريقة حلوة عن المؤمنين ويقدم نموذجاً ممتازاً لهم، وفى الزواج والإيمان بالله لابد من عاطفة اسمها الحب. ومن فضلك تصور معى صنفين من البشر: واحد تزوج بطريقة تقليدية لأن الزواج سنة الحياة، ولابد له من الارتباط بالجنس الآخر لتكوين أسرة وإنجاب أولاد وإشباع غرائزه بطريقة مشروعة! وآخر ارتبط بشريك العمر بعد قصة حب، فهى عنده أهم شىء فى الدنيا، وكذلك بيته وأولاده وتجده شديد الاهتمام بكل ما يتعلق بهم وذلك من منطلق الحب لهم.. وبالطبع هناك فارق كبير جداً بين الأول الذى يرى فى الزواج ضرورة لا غنى عنها والثانى العاشق المحب. والأمر ذاته ينطبق على علاقة الإنسان بربنا، فهناك صنفان من البشر: واحد مؤمن تقليدى، والثانى بيحب ربنا بحق وحقيقى.. الأول نشأ فى أسرة متدينة أو حتى عادية تعرف ربنا والحلال والحرام وتؤمن بيوم الحساب، وتراه يؤدى الفرائض ويصوم رمضان ويذهب إلى المسجد أو الكنيسة، إذا كان مسيحياً، ولكن هذا لا ينعكس بالضرورة على سلوكياته التى تشكلها الدنيا بالدرجة الأولى، أما إيمانه فهو يفتقد إلى الحرارة التى يشكلها الحب. والثانى المحب لخالقه إنسان مختلف، ويمكنك أن تعتبره قد وصل إلى أعلى مراتب الإيمان، وينطبق عليه حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله وكأنك تراه فإذا لم تكن تراه فإنه يراك»!، فإيمانه غير تقليدى بالمرة، بل هو إنسان راقٍ فى علاقته بربنا بفضل عاطفته الغامرة تجاه خالقه! والمحب يسعى دوماً إلى إرضاء من يحبه ويجتهد فى ذلك، ويبتعد عن كل سلوك يجعل حبيبه زعلان منه! وهكذا عاشق ربنا بصحيح، وينعكس ذلك تلقائياً على عباداته وسلوكه وأخلاقياته، فترى حبه هذا وقد فاض على كل البشر، ابتداء من أقرب المقربين وحتى البعيدين عنه، وكل من يتعامل معه، وتجد سلوكه منضبطاً تماماً مع تعاليم السماء.. وهكذا يصبح إنساناً راقياً ومهذبا وصاحب أخلاق، من الصعب أن يصدر عنه لفظ نابٍ أو يؤذى غيره بلسانه أو أفعاله، لأنه ببساطة بيحب ربنا، والحب أعلى درجات الإيمان. وفى الوقت ذاته، تجد هذا الإنسان الذوق، «الجنتلمان» فى أخلاقه، قوى جداً فى مواقفه، لا يخشى فى الحق لومة لائم، لأن حبيبه أقوى الأقوياء وهو صانع الكون ومدبره «ومن يتوكل على الله فهو حسبه»، وهكذا تجد الإنسان العاشق لربنا يتميز برقة العاطفة ومعها قوة المواقف والصلابة فى الحق.. وهذا ما رأيته فى أساتذتى الذين تعلمت منهم الكثير، وعلى رأسهم إمام عصره الشيخ محمد الغزالى، والداعية الإسلامى العظيم عمر التلمسانى وغيرهما من الذين جمعوا بين الحسنيين.. الذوق والأدب من ناحية، وشدة البأس من ناحية أخرى.