فى مارس 1962، وبينما يتحدث العالم عن مسرح اللامعقول، جلس الكاتب الشاب اللامع أحمد رجب، يفكر فى النقاد والأدباء وعقدة الخواجة، وفى الغرفة رقم 406 بمبنى دار الهلال، فى السيدة زينب، وخلال نوبة ضحك هستيرية، وصف «رجب» كتابته لمسرحيته الخالدة «الهواء الأسود»: «كنت أكتب هذه المسرحية الخالدة، وأنا مصاب بنوبة ضحك شديدة،.. فلست أدرى لماذا كان يضحكنى اسم (شتاتلر) كلما كتبته.. ولا أعرف لماذا كنت أفطس على نفسى من الضحك كلما كتبت عبارة حوار لا معنى لها.. أو كلما خط قلمى جملة منطلقة على السجية بلا أى تفكير ولا تدبير». خرجت المسرحية للنور، وذهب بها الكاتب الكبير إلى زوجته «كانت زوجتى ساخطة أشد السخط على مسرح اللامعقول.. وإذا أبدت سخطها على ما كتبت، فمعنى ذلك أن المسرحية قد نجحت فعلاً»، وعندما انتهت من قراءتها ضربت صدرها بيدها وهى تقول لى: «انت بتسكر من ورايا يا راجل؟ إيه الكلام الفاضى اللى مالوش راس ولا رجلين ده»، وهو رد الفعل الذى اعتبره «رجب» دليلاً على نجاح المسرحية عند النقاد، فدفع بها إليهم، تحت اسم الكاتب النمساوى فريدريك دورينمات، وحدث ما توقع الكاتب الكبير. وأذهلت المسرحية النقاد، وكتبوا فى مدحها عشرات الصفحات، وتصدى للدفاع عنها أكبر النقاد الأدبيين فى هذا الوقت، على رأسهم، رجاء النقاش الذى رأى أنها تشرح بوضوح أزمة الإنسان المعاصر، وسعد أردش الذى وصفها ب«العالمية»، وعبدالفتاح البارودى الذى أكد ما حوته المسرحية من دراما جميلة، وأخيرًا عبدالقادر القط الذى وصفها بأنها «تعبر عن مأساة الإنسان فى القرن العشرين». وفى مجلة الكواكب نشر «رجب» المسرحية مع آراء النقاد، وتفجرت واحدة من كبرى الأزمات فى الوسط الثقافى المصرى، بعد أن ذيل الكاتب الكبير تحقيقه الصحفى برسالة قال فيها: والآن.. شكرًا لهؤلاء النقاد على مدحى أو تقريظى.. طبعًا هذا شرف عظيم أن يجمعوا على أننى مؤلف مسرحى عالمى خطير الشأن وبعد تعليقهم هذا هناك أمر من اثنين: إما أننى مؤلف مسرحى خطير فعلاً برغم أننى فعلاً لم أكتب للمسرح أى إنتاج حتى الآن.. وإما أنهم يرجعون فى كلامهم بعد أن عرفوا الحقيقة وهى أن مؤلف «الهواء الأسود» ليس خواجة وإنما هو أحمد بن رجب. ولذلك اعتبرت نفسى مؤلفًا مسرحيًا عالميًا أضع اسمى بكل فخر إلى جوار الخواجات: بيكيت ويونسكو وأوزبورن وكوكتو.. ومن له اعتراض من النقاد فليتقدم. «فضيحة نقدية» تسبب فيها «رجب» بإبداعه ومكره، يرى الكاتب عزت القمحاوى أن السبب وراءها هو ما يملكه الكاتب الكبير من قدرات إبداعية كبيرة «على كل ما حققه فى الصحافة، أنا متأكد أن الأدب خسره.. فبالإضافة إلى فكرة عقدة الخواجة وسلطة النص الأجنبى على نقادنا، كان لإبداع رجب عامل كبير فى خروج المقلب بهذا الشكل».