فى زمن يشترى فيه المال كل شىء، الانتخابات والحكومات والفضائيات وكُتاب المقالات وشهادات الدكتوراه وذمم الناس وحبيبات الغير، نحمد الله كثيراً على المستشار المحمدى قنصوة، ليس فقط بسبب سيرته القضائية العطرة، بل لأنه رمز مشرف لسلطة القضاء الشامخة التى يحتاج هذا الوطن وقوفها إلى جانبه وهو يتمسك بتلابيب حافة الهاوية مغالباً بصبر وجدعنة وأمل خيار السقوط فى الهاوية التى يدفعه إليها مع سبق الإصرار والترصد هذا الحزب الراكد المتحجر الذى يحمل زورا وبهتانا اسم الحزب الوطنى الديمقراطى. أقولها لكل الذين صَبّوا جام غضبهم على شخصى بسبب ما كتبته أكثر من مرة عن السيد المُدان هشام طلعت مصطفى وتابعه محسن السكرى، سيداتى آنساتى سادتى، تخطئون كثيراً لو تصورتم أن هناك سبباً شخصياً يدفعنى للابتهاج بحكم الإعدام الذى صدر بحق الاثنين، فحاشا لله أن يفرح المرء بعثرة غيره حتى ولو كان عدواً له فما بالك وهو شخص لا تربطه به أدنى صلة، من يدرى ما تخبئه الأقدار لنا غداً، وكلنا قلوبنا معلقة بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما شاء. على العكس، أتمنى للسيد هشام طلعت مصطفى أن يحصل على البراءة فى مرحلة النقض إذا كان يستحق البراءة بأمانة وشرف وإذا استطاع أن يقدم أدلة حاسمة وحقيقية على براءته، وسأكون أول المهنئين والمباركين له إن نال البراءة بجدارة، لكن حتى يحدث ذلك علينا جميعاً أن نتصدى لأى ألاعيب قذرة تسعى لتشويه سمعة المستشار المحمدى قنصوة ومحكمته الموقرة، وأن نعلن رفضنا لتلك الأنشطة المحمومة التى تمارسها جهات كريهة الرائحة تذكرت الآن فقط أن عقوبة الإعدام بشعة وقاسية ووحشة خالص، وأخذت بمعاونة بعض منظمات حقوق الإنسان المُريبة تمارس تلك اللعبة الخطرة التى تسعى لإهدار حق القصاص الذى شرعته العدالة الإلهية حياة لأولى الألباب. أما وقد صدر حكم القصاص بحق السيد هشام طلعت مصطفى، وحتى يحصل على البراءة فى النقض أو يلقى جزاء ما حرضت يداه، سأظل أعلن سعادتى بحكم الإعدام الصادر بحقه، ليس لأننى أتمنى اختفاء سيادته من الوجود، فما أحب علىّ أن يعيش معافى فى بدنه آمنا فى سربه، بل لأننى تمنيت أن يكون ذلك الحكم فتح انطلاقة نحو حكم إعدام شامل وحاسم وبإجماع الآراء على ظاهرة زنى المال بالسلطة التى أفسدت بلادنا و«فقدت أملها»، ت منيت أن يكون ذلك الحكم بداية لعصر يقف المصريون فيه أمام القانون ليحاسبوا على أفعالهم دون أن تفرق معهم ببصلة أرصدتهم فى البنوك أو أشجار عائلاتهم أو إنديكسات موبايلاتهم أو قدرتهم على تحمل ثمن إعلانات مدفوعة الأجر فى الصحف تعلق على العدالة وتهز هيبة القضاء، أو سيولتهم المالية التى تسمح بتأمين الملايين التى يسفحها الكام محامى الذين بت تعرفهم بسيماهم من أثر الدفاع عن كل فاسد وظالم أو قتال قتلاً. تمنيت ذلك الحكم مؤشراً على صحوة جماعية ندرك بها أنه لا أمل لنا فى أى تقدم أو إصلاح أو تغيير ما لم تختف تلك التعبيرات الحقيرة التى تحكم حياتنا «هنضبطها يا باشا، نشوف لها سكة، تتحل، عندى اللى يخلصها، ما تقلقش ليها تصريفة، وهو سعادتك أى حد»، أعلم أننا لن نصبح المدينة الفاضلة فجأة، وأعلم أن تلك التعبيرات موجودة بالمعانى نفسها فى أشد البلاد تقدماً، لكننا على الأقل نريدها أن تكون الاستثناء وليس القاعدة، نريدها أن تُقال همسا فى الغرف المغلقة وليس عينى عينك، نعم نريد مصر بلداً خالياً من الواصلين والمسنودين والمعديين والمحميين والمضبطين والمتضبطين والقادرين وغير المقدور عليهم، وإذا لم نستطع أن نطهر مصر من كل هؤلاء فعلى الأقل نريد أن تكون نسبتهم فى الحدود المسموح بها فى الدول المتقدمة، وليس ذلك بكثير على مصر ولا علينا لكى نطلبه من الله ونسعى لتحقيقه بكل ما أوتينا من قوة. ماذا وإلا فلنترك التظاهر بأننا متدينون وبتوع ربنا وأفاضل وأخلاق ونرتجى عفو الله وثوابه، ولننشد جميعاً خلف الشاعر الجاهلى عروة بن الورد أبياته المخزية التى صارت حتى لو لم نعترف بذلك لسان حالنا منذ عصر جاهلية الانفتاح السداح مداح: «دعينى للغِنَى أسعى فإنّى.. رأيتُ الناسَ شَرُّهُم الفقيرُ ويُقصيهِ النَدِىُّ وتُزدريهِ.. حَليلتُهُ ويَنهَرُهَ الصّغيرُ ويُلقَى ذو الغِنُى وَلَهُ جَلالٌ.. يَكادُ فؤادُ صاحبهِ يَطيرُ قَليلٌ ذَنبُهُ والذّنبُ جَمٌّ.. ولَكِن للغَنِىّ رَبٌ غَفورُ» وحاشا لله جل وعلا أن يكون ربا للأغنياء فقط. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]