بعد سنوات من الصمت كشف أحمد رشدى، وزير داخلية مصر الأسبق، العديد من التفاصيل عن فترة رئاسته للوزارة وحياته الشخصية فى حواره مع رولا خرسا فى برنامجها على قناة الحياة. ■ هل كنت تشعر بتجاوب المواطنين معك أثناء نزولك للشارع ومتابعتك للعملية المرورية؟ - نعم كان هناك تجاوب واضح. ■ تجاوب أم خوف؟ - تجاوب وخوف، فالعقوبة أيضاً لها تأثير على المواطن، وغيابها يؤدى إلى تسيب، فيجب ألا نغضب عند تطبيق العقوبات، وأحفادى على سبيل المثال تم توقيع مخالفات فورية عليهم فى الشارع ودفعوا ثمنها دون أن يذكروا «أنا جدى فلان أو أبويا فلان»، ويجب أن يتعامل جميع المواطنين بهذا الشكل، والمسألة أخلاقية قبل كل شىء، فإن إفساح الطريق لسيارات الإسعاف والإطفاء ينبع من الإحساس بالمسؤولية. ■ ولماذا نتذكر فترة الالتزام المرورى بعهدك؟ - حظى كان جيداً فى هذه الفترة، فعدد السيارات قليلة وسعة الشوارع معقولة، أما اليوم فقد زاد العدد أضعافاً مضاعفة، تخطينا 80 مليوناً، بينما كنا على أيامى 60 مليوناً فقط. ■ القيادات التى كانت تعمل معك بهذا الالتزام الشديد وإيمانك بسياسة الثواب والعقاب كانوا مبسوطين ولا زعلانين؟ - كنت أشعر بالسعادة عندما أجد القيادات التى تعمل معى ناجحة فى عملها، لأن نجاحهم يسعدنى ويعطى فرصة للاختيار عندما تقول الجهات المسؤولة «عايزين محافظ.. عايزين وزير» وقتها تظهر الشخصية من تلك القيادات، ويصبحون قدوة للضباط الصغار فى الأداء الجيد للعمل. ■ هل طلبت مرة من الضباط أن يوقفوا الموظفين فى الشوارع ويقوموا بالاتصال بالوزارات لكى يعرفوا «الموظفين سايبين شغلهم ليه»؟ - كان هذا فرعاً من فروع الانضباط، ضبطنا الشارع والبيت بالقضاء على الإزعاج، وتبقت مواقع الإنتاج، فأمرت الضباط فى الشارع أن يسألوا المارة «أنت موظف؟» وإذا كانت الإجابة بنعم يقول الضابط له: «إحنا عازمينك على فنجان قهوة»، وفى آخر اليوم يأتى لى بيان بأعداد الموظفين فى جميع الوزارات فأتصل بالوزراء المختصين وأقول لهم: «فيه كذا موظف من عندكم كانوا متواجدين فى الشارع أوقات العمل الرسمى.. ضيوف عندى بيشربوا قهوة ابعتوا مندوب ياخدهم»، فيأتينى الرد: «أرجوك شفهم كانوا موجودين فى الشارع ليه والإجراء اللى هتاخده إيه وادينا خبر بيه»، وهذه الطريقة جعلت هناك حالة من الردع للانفلات الموجود فى الوزارات المختلفة. ■ وما حقيقة قضية وزارة الصناعة التى اتهم فيها 32 قيادة؟ - هذا موضوع قديم وانتهى، ألمانيان جاءا إلى مصر لتحقيق خطوات لشركاتهما، فحاولا رشوة بعض المسؤولين بوزارة الصناعة، وهذه المعلومة وصلت من جهاز الأمن القومى، وضبطت إدارة الأموال العامة الراشين والمرتشيين، وكان توجيه الرئيس لى: «اعمل زى ما انت عايز.. أى أسلوب للقضاء على الفساد أنا موافق عليه من غير ما ترجعلى». ■ الموضوع المهم الذى ارتبط باسمك هو موضوع المخدرات والباطنية.. سمعنا إن حضرتك أول ما توليت الوزارة أخذت عهداً على نفسك بالقضاء على المخدرات فى مصر.. والباطنية وقتها كانت إمبراطورية.. عملت إيه؟ - فعلت مثلما فعل كل الوزراء الذين سبقونى ماجبتش جديد. ■ بالتأكيد «جبت جديد» لأنه تم القضاء على المخدرات فى الباطنية فى عهدك.. ما هى الخطوات التى قمت بها؟ - زرعت عساكر شرطة، لأن المخبرين كانوا يقومون أحياناً ب«تسريب» أما العساكر فكانوا يقفون باستمرار بتعليمات مشددة. ■ أريد تفاصيل أكثر عن الباطنية.. ماذا فعلت أيضاً؟ - التفتيش كثيراً، فالفكرة أن المتعاطى يدخل المكان وهو آمن، والتاجر أيضاً يدخل وهو آمن، لأنها منطقة مقفولة على التجار والمترددين عليهم «مش خايفين من حاجة»، والمخبرون الموجودون كانوا صوريين ومستفيدين فى وقت من الأوقات، والحزم هو الذى نفعنا فى هذه القضية، وقتها انخفض سعر المخدرات، وبعد أن تركت الوزارة وزعوا نوعاً جديداً من المخدرات وسموه «باى باى رشدى». ■ لماذا يتمركز تجار المخدرات فى الباطنية؟ - لأنها منطقة شعبية، وهى مناطق فى منتهى الخطورة، فهى مأوى للصوص وتجار المخدرات والأسلحة، وكل المخالفين للقوانين بيلبدوا فى الحتت دى وفى العشوائيات. ■ بعد اغتيال السادات كنت مساعد أول وزير الداخلية وكنت «ماشى بمصفحة» فى البلد ومسؤول عن تأمين التليفزيون. - كنا نجلس أنا واللواء حسن أبوباشا واللواء فاروق الحينى، ورأينا السكوت فى التليفزيون فشعرنا بأنه «حصل حاجة»، فقال لى حسن: «نتصرف نعمل إيه»؟ فقلت: رأيى الشخصى إن أهم نقطة تحتاج لتأمين هى التليفزيون لأنه لو سبنا أى واحد هيركب التليفزيون وهيعمل اللى هو عايزه فطلب منى أن أذهب وبالفعل أخذت سيارة مدير مكتبى وذهبت بها إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون. ■ قلت لى إنك متحمس لقضايا المرأة؟ - أنا أعتبر المرأة لها جناح واحد.. «مهضومة الجناح» كما يقال، ولم تأخذ جميع حقوقها، وبهذه المناسبة أحيى السيدة سوزان مبارك لجهودها التى توجت بقرار السيد الرئيس الأخير بضرورة وجود مقاعد للمرأة فى البرلمان، وتمثيلها يعطيها نوعاً من الاعتبار. ■ حكايتك مع الشيخ الشعراوى؟ - الشيخ الشعراوى كان حبيبى ومن الناس الأفاضل، زارنى فى البيت وفى البلد بعد خروجى من الوزارة وسألنى إن كنت سعيت للوزارة فأجبته بالنفى، فقال لى: «خلاص زى ماجت زى ما راحت» وفعلاً كل شىء نصيب. ■ قضية الأمن المركزى.. ماذا حدث فيها؟ - كنت فى بيتى بعد الظهر عندما عرفت أن هناك تجمهراً من جنود الأمن المركزى فى الجيزة، فذهبت إلى المكان المحدد ووجدت مدير أمن الجيزة ومحافظ الجيزة كانا واقفين فسلمت عليهما ثم تركتهما وذهبت نحو العساكر ودخلت فى وسطهم، وعرفتهم التفاصيل بنفسى ومشيت مع العساكر مشواراً طويلاً ما بين ترعة الزمر حتى وصلنا إلى المعسكر، وعندما وجدت نفسى فى هذا المكان ومحاطاً بتجمهر العساكر، خيل إلىّ أنى سأموت فى هذا المكان وبالفعل «اتشهدت على روحى» وحاولت الكلام لكن «مفيش». ■ هل حكوا لك عن مشكلاتهم؟ - كانوا بيزعقوا. ■ وضربوا نار؟ - لم يتم ضرب نار، وطلبنى السيد على لطفى فى التليفون وقلت له أنا كنت مشغولاً بفض المظاهرة، فقال إحنا كنا بنسأل عليك لأننا نريد أن ننشر بياناً، فكان ردى «بلاش نطلع بيان الساعة 12 بليل خليها بكره الصبح»، لكنه أصر على أن ننشر البيان، وإزاء كلامه قلت له: «اعملوا اللى انتوا عايزينه وقفلت السماعة»، بت ليلتها فى الوزارة واتصلت بقائد الأمن المركزى وطلبت منه تعليمات تنفذ فوراً، منها إبعاد السلاح عن متناول الجنود، ووضعه فى مكان «مايطولهوش»، ثم أذاع الراديو بياناً فى القاهرة وصوت العرب. ■ وماذا قال البيان؟ - اللى اتكتب إن الجنود قاموا بمظاهرة عشان مد العمل. ■ حكاية مد العمل سنة كانت شائعة أم حقيقة؟ - لا كانت شائعة انتشرت بين الجنود وكانت قد وصلتنى قبل ذلك من مساعد الوزير وقلت له اعقد اجتماعاً واقنع الجنود إن مفيش حاجة زى دى، ورغم ذلك حصل اللى حصل، فلما وجدت البيانات تتوالى «استغربت لأن مفيش داعى بقى إن طول الليل كل البيانات على إذاعات القاهرة وصوت العرب». وفى الصباح وجدت «كلام تانى» إن العساكر طلعوا تانى، بعدها كلمنى السيد على لطفى قالى الحل إيه؟، فقلت له: «أنا مقدرش أجيب أمن مركزى أحطه قدام أمن مركزى أنا ما أقدرش أتحمل المسؤولية دى»، فقال لى يعنى الجيش ينزل قلت له آه الجيش ينزل وفعلاً نزل وبعدها قدمت استقالتى وحصل اللى حصل. ■ لمن قدمت الاستقالة؟ - للرئيس. ■ أرسلتها له؟ - لأ رحت قابلته. ■ وماذا قال لك؟ - يعنى هيقول إيه.. الظروف دى بتبقى صعبة شوية. ■ فيه كلام يقال فى مصر أنا معرفش مدى صحته إن مفيش وزير بيقدم استقالة.. وعادة الوزير بيقال وكده تبقى حضرتك «عملت حاجة محدش عملها». - «متكبرنيش أوى زيادة عن اللزوم». ■ حزنت إنك خرجت من الوزارة؟ لأ.