فجأة، وبعد 28 عاماً على توليه الحكم، قرر الرئيس مبارك أن يكتب مقاله الأول، واختار له عنواناً استفهامياً: «كيف ننجز سلاماً فلسطينياً إسرائيلياً». وقد وصف كتاب مقالات محترفون مثل وحيد عبدالمجيد وعمرو الشوبكى وعمرو ربيع هاشم مقال «الزميل حسنى مبارك» بأنه «رد على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو»، لكن قيمة المقال فى تقديرى لا تكمن فقط فى محتواه السياسى، بل فى كون السيد الرئيس تواضع وانتزع نفسه من معمعة الحكم وأمسك قلماً وورقة وقرر أن يكتب. ليسمح لى سيادة الرئيس أولاً أن أسبق اسمه بكلمة «الزميل»، ولا أظن أن الكلمة ستغضبه أو ستنال من قدره المهيب لأن الكتابة أقدس أدوات الحكم وأكثرها بقاءً وتأثيراً، وليسمح لى بحق هذه الزمالة أن أكون فضولياً وأسأله فى أمور أعرفها بصفتى كاتباً محترفاً، لكننى لا أعرف كيف تبدو عندما يكون الكاتب ضيفاً هبط على الكتابة من أعلى نقطة فى البلد. أعرف أن للرئيسين عبدالناصر والسادات كتباً ومقالات نشرت قبل توليهما سدة الحكم أو فى سنوات حكمهما الأولى، وكانت وقت نشرها جسراً بينهما وبين المواطن، فلماذا تأخرت إطلالة «مبارك» الإبداعية كل هذه السنوات؟ وما مغزى اختيار هذا الوقت بالذات؟ هل يئس من مخاطبة الإسرائيليين بالوسائل التقليدية، فوضع يده فى جراب الحكم وأخرج لهم هذا المقال؟ وهل لذلك علاقة باختيار صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية لنشره؟ كنت أود فى الحقيقة أن يختار «الزميل» حسنى مبارك صحيفة مصرية لينشر فيها مقاله الأول، رغم أننى لا أعرف إن كان أصحاب «وول ستريت جورنال» يهوداً أم أمريكيين عاديين!.. وإذا كانوا يهوداً، فهل بينهم من يتعاطف مع الفلسطينيين أم أنهم من نوعية «الأخ ليبرمان»؟، كنت أود أن يختار «مبارك» صحيفة مصرية، ولدى حزبه «الوطنى» و«أمانة سياساته» صحف كثيرة تحتاج إلى «خبطة» ترفع توزيعها وتنتشلها من وحل الكذب على الناس والخوض فى أعراض أساتذة رؤساء تحريرها، وبفرض أن هذه الصحف لا تعجب «الرئيس» ولا تملأ عينيه فلديه صحف «شريف الشورى» وكلها والحمد لله تعطس لو أصيب الرئيس لا قدر الله بالزكام. أما إذا افترضنا أن «الزميل» الكاتب لا يعجبه أياً من هذين النوعين.. فلديه فرصة ذهبية للشروع فى إصدار صحيفة خاصة، لكننى أقترح أن يمولها من حر ماله، ويتولى بنفسه رئاسة تحريرها.. ولو أراد فليترك رئاسة مجلس إدارتها ل«حسن شحاتة»، باعتباره الوحيد الذى أنزل المصريين من بيوتهم وجعلهم يهتفون لبلدهم رافعين أعلامه. أعود إلى مقال حسنى مبارك وأسأل: ما إحساسه بعد الانتهاء من الكتابة.. هل استعان بكاتب محترف كما يفعل فى خطابات القمة؟، هل كتب «مسودة» وتكفل مركز دراسات الأهرام بصياغتها؟، ثم هل سيكررها لتصبح «الكتابة» بالنسبة للرئيس «مشروعاً ثقافياً»، وهو فى ظنى أفضل ختام لتاريخ طويل من الحكم تعرض لكثير من الانتقادات؟ ليسمح لى سيادة الرئيس أن أقف هذه المرة فى مواجهته وأسأله زميلاً لزميل: ما الذى دفعك إلى كتابة هذا المقال؟ من الذى أوحى إليك بالفكرة وأقنعك بجدواها؟ لا شك أن انضمامك إلى معشر الكتاب شرف لهم.. وإعلاء من شأن الكتابة، لكن أحداً لم يقل لك بالتأكيد إن نزولك من برج الحكم إلى مصاف الكُتاب أشد رزالة ومشقة من نزولك إلى شارع فى منطقة عشوائية.. حتى لو كنت ترتدى طاقية الإخفاء، فلتتحملنى إذن.. أنت الذى أتيتنى بقدميك!