■ خطاب نتنياهو جاء - فى اعتقادى - مقوضاً لأى أمل قريب لإحلال السلام فى المنطقة، لقد دعا فى خطابه للتفاوض، دون شروط مسبقة، بينما وضع هو شروطاً من المحال قبولها، يقول إنه يوافق على قيام دولة فلسطينية، منزوعة السلاح لا سيطرة لها على أجوائها، ولا جيش لها يحمى حدودها، ولكنه لا يمانع فى أن يكون لها علمها ونشيد وطنى خاص بها.. ولولا أننى رجل مهذب لقلت له قولاً لا يقوله إلا قليل الأدب. ■ لقد فرّغ هذا النتنياهو موضوع الدولة الفلسطينية من مضمونها، وجعلها بمثابة الحكم الذاتى، أو الإدارة المحلية، وكأنها محافظة مثلها مثل أسيوط أو المنيا.. قال نصاً: «إن الأراضى التى ستعطى للفلسطينيين ستكون دون جيش ودون سيطرة على أجوائها»، وهو عندما يقول «الأرض التى ستعطى....» يتعمد أن يظهرها وكأنها منحة، وليست أراضى مغتصبة، ملزماً طبقاً للشرعية الدولية بالرحيل عنها وردها لأهلها. إن هذا القول يعكس فكر هذا الرجل وحكومته، ويؤكد أنهم سوف يكونون عقبة فى تحقيق أى تقدم ملموس على مسار السلام فى الشرق الأوسط.. لقد استنكف أن يعترف بأن الأرض المسلوبة سترد، فهل ينتظر من مثل هذا الرجل أو حكومته خير؟! ■ هو أيضاً يشترط على الفلسطينيين، الاعتراف بأن إسرائيل دولة يهودية، دولة لليهود، بمعنى آخر دولة عنصرية لا حق لغير أصحاب الديانة اليهودية فى الوصول إلى مراكز رسمية فيها، والعجيب أنهم مع ذلك يتشدقون بالديمقراطية، ويدعون اليهود من أرجاء العالم للقدوم إلى إسرائيل، والتجنس بجنسيتها، ويمنعون أصحاب الحق من اللاجئين العرب من الرجوع إلى أراضيهم.. فهو يشترط فى خطابه أن يتنازل الفلسطينيون عن حق عودة اللاجئين الذين طردوا، وهاجروا إبان كارثة عام 1948. ■ لا أعتقد أن الفلسطينيين بحاجة إلى موافقة نتنياهو بك حتى يرفعوا علمهم، أو ينشروا نشيدهم الوطنى.. الفلسطينيون يريدون استرداد أراضيهم طبقاً للقرارات الدولية وانصياعاً منهم للشرعية، وعلى الرغم من شعورهم بأنها غبنتهم، فلا بديل عن رد الأراضى المحتلة عام 1967، ولا بديل عن إقامة دولتهم، ولا بديل عن سيطرتهم على أجوائهم، وإقامة جيشهم، ولن يكون هناك سلام مادامت إسرائيل تكابر فى رد الحق المغتصب، وفى حقوق اللاجئين العرب فى العودة إلى ديارهم، وعلى نتنياهو وحكومته أن يحذروا مغبة فقدان العرب الأمل فى تحقيق السلام. ■ وعلى الإسرائيليين أن يذكروا أن عددهم عام 1917 فى فلسطين لم يكن يتعدى 10٪ من السكان و90٪ فلسطينيون عرب، مسلمين ومسيحيين، وكانت الأراضى المملوكة لهم لا تتعدى 4٪ من أراضى فلسطين.. عليهم أن يتذكروا ذلك عند التفاوض من أجل إحلال السلام، فلن يؤدى «الاستنطاع» الذى ينتهجونه إلا إلى كارثة، قَصُر الزمن أم طال.. نحن لا ننكر حقهم فى العيش فى سلام وأمان ولكن عليهم أن يعلنوا أنهم فى مقابل ذلك ملزمون بالعودة إلى حدود عام 1967، وفك وإزالة جميع المستوطنات خارج هذه الحدود. إن عدم استعدادهم للانصياع للشرعية الدولية، ورد الحقوق المغتصبة، يضحى سبباً كافياً لكل الدول العربية فى إلغاء أى مبادرات أو اتفاقات للسلام. ■ والمحصلة أن خطاب الحكومة الإسرائيلية على لسان رئيسها، جاء بغيضاً، كريهاً، داعياً للحرب وليس للسلام.. نحن نتمنى ألا يكون هذا الخطاب نابعاً من ثوابت استراتيجية للإدارة الإسرائيلية الجديدة، ونتمنى أن يكون خطاباً الغرض منه تعظيم المكاسب السياسية عند التفاوض، لأنه لو كان غير ذلك، وكان يعبر عن ثوابت، فلا أظن أن هناك حاجة بالفلسطينيين للتفاوض، ولا أعتقد أن هناك أى احتمال لإقامة السلام الذى سعت إليه مصر ومن خلفها باقى الدول العربية، وتكون القضية الفلسطينية قد عادت إلى المربع.. صفر. ■ قيل لأحد الحكماء: أوصنا، قال: «احفظوا وعوا، إنه ليس من أحد إلا ومعه قاضيان باطنان: أحدهما ناصح، والآخر غاش.. فأما الناصح فالضمير، وأما الغاش فالهوى، وهما ضدان، فأيهما ملت معه ضعف الآخر».