الأخ العزيز مجدى الجلاد - رئيس تحرير «المصرى اليوم» سوف أكون شاكرا وعارفا بالفضل لقبولكم الاستئذان بالتوقف عن الكتابة «كل أحد» فى صحيفتكم الغراء لأن نداء الواجب الآن هو أن تنصرف كل جهودى وكتاباتى إلى مؤسسة الأهرام حيث كان ولا يزال الولاء الأول. هذا ليس بمعنى «استئذان بالانصراف» - أطال الله عمر الأستاذ محمد حسنين هيكل وأعطاه الصحة والعافية وهو الذى صك هذا التعبير - وإنما هو تغيير فى أولويات الرسالة التى حاولت دائما إرسالها فى الصحافة المصرية والتى تدور كلها حول حرية الإنسان وحرية الوطن وقدرة كليهما- الوطن والإنسان - على اللحاق بالعصر الذى نعيش فيه. لقد كانت الكتابة فى «المصرى اليوم» واحدة من المنصات التى تذيع الفكرة من نقطة انطلاق جادة آمنت دوما أنها سوف تأتى وسط زخم واسع من الثورة الإعلامية التى تعيشها مصر والتى كانت، ولا تزال فى كثير منها، بحكم «الثورة» هائجة ومائجة بفعل حرية المناخ والوسائط الجديدة التى كسرت الحواجز ما بين الكتابة الصحفية والشاشة التليفزيونية وذلك الوسيط الهائج المنتشر مثل النار فى الهشيم: الشبكة الإلكترونية الكونية. تكسرت كل الحواجز والسدود فجأة وكان لابد للعقل والحكمة أن يدخلا إلى الساحة ذات يوم ليس فقط لأن ذلك حال كل الثورات، ولكن لأن الضرورة فى بلد مثل مصر تقتضيها. وفى الحقيقة فإن الكتابة فى «المصرى اليوم» لم تكن هى الأولى فى البحث عن الصحافة الجادة القادرة على التعامل مع دنيا متغيرة وثائرة وفائرة بمنطق أحيانا وبلا منطق فى معظم الأحيان، ولكن سبقتها صحيفة «نهضة مصر» التى فكر فيها الصديق العزيز عماد أديب وأطلقها تحت الشعار الصريح لليبرالية والتى كان لها فضل البداية ودق الأبواب ولكنها لم تصل إلى مرحلة اقتحامها. ويبدو أن الفكرة كانت ذائعة فى رؤوس كثيرة، وبينما التجربة الأولى كانت لا تزال فى بدايتها كان الصديق المهندس صلاح دياب يحدثنى عن المشاركة فى إصدار «المصرى اليوم»، وكان اعتذارى أيامها احتراما لالتزام سبق، ولكن كثيرا من الزمان لم يمض حتى بدأت الكتابة المنتظمة فى هذه الزاوية المرموقة ومازلت ممتنا لك عندما رحبت بقدومى، وعندما كنت دائما خلوقا وودودا فى كل مرة التقينا أو تحدثنا حول الصحافة المصرية أو «المصرى اليوم» ومستقبلهما. لقد كتبت من قبل فى هذه المنصة وفى منصات أخرى أن «المصرى اليوم» هى جزء من تيار صحفى كان ضروريا أن يبزغ، ولكنها ربما كانت، وحتى الآن الأكثر نجاحا، ليس بمعيار التوزيع والإقبال من قبل القراء، ولكن من زاوية التأثير أيضا. وبالنسبة لى فإن كاتبا فى الأهرام ومديرا لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية فيها يعرف جيدا معنى أن تكون مؤثرا وقائدا فكريا لدولة ومجتمع. لقد نقل لى الصديق العزيز فوزى فهمى أن أرسطو - المعلم الأول - قال لتلميذه الإسكندر الأكبر الذى كان يتأهب لفتح العالم: عندما تفتح بلدا ابحث عن المفكر فيها لأنه الملك!. وفى عصرنا فإن المفكر لم يعد بالضرورة فردا فيلسوفا وحكيما، وإنما صار الصحافة والإعلام التى تقوم بتشكيل العقول والمجتمعات. وفى بلادنا فإن هذه مهمة لا تزال فى دور الصناعة، حيث لا يزال بعضنا الآخر يبحث عن أفضل الطرق لبعثرة العقول والمجتمعات، ولكن المهم أن البداية حدثت، وفى التقدير أنها حدثت بأسرع مما هو متوقع. ولكى يعود الفضل لأهله فإن ما حدث من تطورات إيجابية يعود للأهرام التى خرج أبناؤها فى كل الاتجاهات يقدمون فكرا وإبداعا وتقاليد فى صحف جديدة وبرامج تليفزيونية مبهرة مشكلين كتيبة من النجوم اللامعة والواعدة والشابة والشاهدة على أن التغيير فى مصر يجرى فى الواقع بأكثر وأسرع مما هو معترف به. أعرف أن القضية خلافية، وأن مناقشتها ليس مكانها هذه الرسالة، ولكن ما قصدته أن مهمة الأهرام كمنصة للفكر والإبداع والإشعاع والتقاليد المهنية الرفيعة لم تكن دوما مرتبطة بالمكان فقط بقدر قدرتها على الانتشار والتأثير. لقد طالت رسالتى أكثر مما قدرت، ولكن القصد كان أن يكون الامتنان والعرفان فى إطارهما الصحيح، وأن تكون المهمة الجديدة معروفة وموصولة برسالة فكر ومعرفة. مع خالص التقدير لكم ولأسرة «المصرى اليوم» الكريمة وقبلهم وبعدهم لقراء الصحيفة الذين لم يبخلوا على أبدا بالرأى والتعليق والنقد واللعنة إذا لزم الأمر!.