كسب 12 متضررا من عملية إرهابية، فى أيرلندا الشمالية عام 1998، قضية تعويض مدنى (قيمته مليار وربع مليار جنيه مصرى) رفعوها ضد زعماء المنظمة المسؤولة (الجيش الجمهورى الأيرلندى IRA) فى محكمة دبلن العليا، عاصمة أيرلندا الجنوبية. القضية سابقة مهمة، فالقاضى بريطانى (من أيرلندا الشمالية) ومحامى المدعى لندنى، والمدعى عليهم أيرلنديون. السابقة تفتح الباب للمتضررين من الإرهاب بمقاضاة أشخاص يمكن إثبات صلتهم بالعملية بشكل ساعد على وقوعها، حتى ولو لم تستطع النيابة العثور على أدلة مادية، حسب القانون الجنائى، مثل بصمات الأصابع على المتفجرات، أو آثارها على ملابسهم وسياراتهم، وبالتالى لم يُقدَّموا للمحاكمة الجنائية لضعف الادلة، حيث يُفسر أى شك فى صالح المتهم. ووقفت النيابة مكتوفة الأيدى لعشر سنوات حتى صدور حكم يوم 8 يونيو فى قضية التعويض المدنى. كنوز الأرض لن تعيد ليتيمة أباها المفقود بقنبلة إرهابية، لكن المقصود التشهير بالإرهابيين (فالتعويض لا يعنى معاقبتهم بغير الغرامة)، والوصول إلى المحرضين والممولين، وهو أمر أكثر أهمية للإنسانية. هذا ما دفع وزير شؤون أيرلندا الشمالية (اللورد ماندلسون وقت رفع القضية عام 2000) لإقناع وكالة دعم مصاريف القضاء برصد ما قيمته 800 مليون جنيه مصرى كتأمين لمصاريف المحاكمة لرافعى القضية ال12. سابقة لأن الوكالة وُجدت لتمكين غير القادرين على دفع أتعاب المحاماة لمساواتهم فى العدالة بالأغنياء، وليس لمقاضاة الغير. (المهزلة أن المذنبين قضائيًا بتهم إرهاب فى بلدانهم مثل أبوحمزة المصرى، والمتهمين فى تفجيرات يوليو 2005، تدفع الوكالة أتعاب محاميهم!). حيثيات الحكم تجعل من زعماء جماعات فسّر أعضاؤها لإخوانهم دعوتها بفكر يبرر العنف كالتضحية بالمدنيين لأهداف «سامية»، سياسية أو دينية، أو من موّل القائمين بالعملية أو جمع التبرعات، أو سهّل حركتهم، مسؤولا مباشرا عن دم الضحايا والأضرار الأخرى. الحيثيات وتدويل القضية (مكان نظرها واختلاف جنسيات القضاة والمدعين والمدعى عليهم والمحامين) تفتح الباب أمام المتضرر من عملية إرهابية فى بلد، لمقاضاة المسؤولين عنها (وفق الحيثيات) فى بلدهم الأصلى أو فى بلد آخر، بالتعويض المدنى فى حالة غياب أدلة مادية بتورطه المباشر، مما يعنى إفلاته من العدالة فى ظل القانون الجنائى، وتنقل القضاء بين العواصم، وجمع أدلة من بلدان متعددة تعنى قضايا مدنية عابرة للحدود. وقد رفع 143 من المتضررين من إرهاب «IRA» ما بين 1983 و1997 (عام اتفاقية إنهائها العنف والدخول فى السياسة) قضايا مدنية ضد المنظمة، وضد مموليها وداعميها فى أيرلندا وخارجها. ممثلهم، المحامى جيسون ماكيو، استصدر من المحكمة دعوى مدنية عابرة للقارات، ضد الزعيم الليبى معمر القذافى، لأن ليبيا موّلت المنظمة ماديا ومدتها بمتفجرات السيمتكس، حسب أدلة بريطانية وجد التحليل الكيماوى أنها من شحنة صنع تشيكوسلوفاكيا (أيام الحكم الشيوعى) صدّرتها الأخيرة إلى ليبيا. هناك مئات المصريين المتضررين من الإرهاب- كالعاملين فى السياحة، أو يتامى الضحايا- يمكن لعدد معتبر منهم رفع قضايا تعويض مدنى ضد زعماء إسلاميين أو أيديولوجيين آخرين، فى مصر أو خارجها، ربطتهم علاقات تنظيمية أو تحريضية (ك»خلّصونا من هذا القاضى») أو مادية أو معنوية- كفتاوى إهدار دم الناس أو وعدهم بالجنة، أو الدعوة لهدم آثارنا العظيمة (لأنها أصنام!)-، بمرتكبى الارهاب. القضايا ستكشف دور المتسترين وراء المسابح أو «الزبيبة»، عمدًا أو جهلاً فى إرهاب، أضرّ بالمصريين، ويتحول ضحايا الإرهاب إلى مشاركين فى مكافحته ومستفيدين من محاصرة مموليه وداعميه وتجّاره ماديًا وفكريًا.