لم تكن كلمة الرئيس الأمريكى باراك أوباما تحمل مفاجأة، قدر ماحملت كلمة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.. فكلمة الرئيس أوباما كانت محددة التوقيت قبل أسابيع، ومتوقعة النقاط والبنود.. أما كلمة أسامة بن لادن فكانت مفاجئة فى التوقيت، وغير متوقعة للكثيرين.. فما إن حطت طائرة الرئيس الأمريكى على أرض الرياض يوم الأربعاء الماضى، حتى بدأت قناة الجزيرة القطرية فى بث الكلمة المسجلة لأسامة بن لادن، والتى وصف فيها أوباما بأنه مثل سلفه جورج بوش يكن العداء للإسلام والمسلمين!! أسامة بن لادن لم ينطق بحرف ولم يظهر منذ شهور طويلة، وهو مطارد فى جبال وكهوف أفغانستان وربما باكستان، وهو مطلوب من المجتمع الدولى كله باعتباره الراعى الرسمى والأب الروحى لهجمات 11 سبتمبر 2001.. ولكنه رغم ذلك يستطيع أن يبث مايشاء من رسائل وقتما يشاء عبر قناة الجزيرة، وأحيانا يختفى ويقوم بتسجيل الرسائل الإعلامية بدلا منه رجل التنظيم الثانى أيمن الظواهرى، ولكن أحدا لم يكن يتوقع أبدا أن يكون التنسيق محكما لدرجة أن تبث كلمته المسجلة فور وصول الرئيس الأمريكى للرياض، وقبل أن يلقى كلمة كان معروفا سلفا أنها تتحدث عن مرحلة جديدة أفضل فى العلاقة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى. وفى نفس يوم إلقاء كلمة بن لادن، كان تنظيم القاعدة فى المغرب يقوم بعملية إعدام لرهينة بريطانى تم اختطافه قبل أيام.. وتم تصوير العملية والإعلان عنها فى نفس يوم بيان بن لادن.. وكأن المطلوب إجهاض الزيارة وإحباط العالم الغربى من المسلمين للأبد، واستمرار التصاق الإرهاب بالإسلام.. وهو عكس المستهدف من الزيارة.. ولو كان أسامة بن لادن يستطيع أن يقوم بعملية إرهابية فى القاهرة وقت زيارة أوباما لفعل.. ولكن الإجراءات الأمنية حالت ولاشك دون ذلك فأراد أسامة بن لادن أن يقول للعالم كله إننا إرهابيون مصرون على إرهابنا، ولن نتغير مهما حدث.. كما أراد أن يمنح لخصوم أوباما من المتشددين ورقة ضغط ضده وضد المسلمين. وهنا علينا أن نسأل الأسئلة المنطقية التى تفرض نفسها.. فما سر العلاقة الوثيقة بين الجزيرة القطرية وتنظيم القاعدة؟ وكيف استطاع زعيم تنظيم القاعدة المطارد من ضبط توقيتاته بهذه الدقة؟ والأهم لحساب من يلعب بن لادن وتنظيمه بالضبط؟ وماعلاقة الإسلام بما يفعله بن لادن وقاعدته؟ ولماذا يجتهد بن لادن قبل خطاب أوباما بساعات لتذكير العالم كله بهجمات سبتمبر التى ارتكبها تنظيم القاعدة وكانت مبررا أساسيا لإدارة الرئيس بوش وكثير من المتطرفين الغربيين لشن حرب شرسة ضد الإسلام وتشويه صورته وتصويره على أنه دين إرهاب؟ الطبيعى هنا أن نستمع أولا ثم نقيم ما قيل، ونتعامل على أساسه.. أما المبادرة بالهجوم، فهى تخدم إسرائيل التى ترى أن الزيارة والخطاب لايخدمان مصالحها أبدا.. وتخدم المتطرفين الذين يشنون حربا قذرة ضد الإسلام والمسلمين فى الغرب.. فهل هناك تنسيق كامل بين القاعدة وإسرائيل والمتطرفين فى الغرب لهذا الحد؟ وإذا كان الرئيس أوباما يتحدث بلغة مختلفة تماما عن سابقة بوش الذى أساء للمسلمين كثيرا، فلماذا لايريد أسامة بن لادن للمسلمين حتى أن يسمعوه؟ عموما.. هذا هو عرض أسامة بن لادن للمسلمين، وهو يحمل فى طياته إصرارا واضحا على مواصلة التشويه المتعمد للإسلام والمسلمين.. ولاأستبعد أبدا أن يتبنى قريبا عملية إرهابية ضخمة لضمان وصوله إلى هدفه، كما لاأستبعد وجود أجهزة دولية كبرى تحركه سرا لتحقيق أهداف تتعارض جدا مع مصالح العرب والمسلمين. وهذا هو عرض الرئيس أوباما فى خطابه الذى جاء متوافقا تماما مع ماتوقعته فى مقالى هنا السبت الماضى وتوقعه آخرون غيرى.. فهو خطاب حسن نوايا يلقى لنا فيه بالكرة فى ملعبنا.. والمطلوب منا أن نتعامل مع الأمر بجدية.. فالرجل استخدم فى خطابه لهجة سلام، وحدد فيه نقاطا مركزة جدا حول تعهده بتغيير النظرة للإسلام، والموقف المتوازن من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ورؤيته لمستقبل القدس، والموقف من البرنامج النووى الإيرانى، وكذلك قضية المرأة فى المنطقة، وإن كان أهم الملفات التى طرحها هو الديمقراطية، فهى المشكلة الرئيسية لدينا، وعلينا أن نسعى نحن لتدعيمها وبسرعة، فلا يمكن أن نظل نرفضها من الخارج، ولاندفعها نحن من الداخل، ونهدر الوقت دون إقرارها كنظام كامل بما يحتويه من تداول سلطة، وتحديد سقف زمنى للرئاسة، ونزاهة الانتخابات، وحياة حزبية سليمة.. فالديمقراطية هى التى تجعل الأمم محل الاحترام دوليا، وتجعلها أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين.. والديمقراطية أيضا تخلق مناخا غير ملائم لنمو التطرف والعنف. أخشى ألا نتعامل باهتمام كافٍ مع ما أعلنه أوباما طواعية، وننخرط فقط فى الجدل بشأنه والحديث عن مدى جديته.. فهو لم يكن مجبرا على تقديم يده لنا، بل إنه أقدم على تلك الخطوة رغم معارضة كثيرين له داخل وخارج الولاياتالمتحدة.. وعلينا أن نختار بين عرض أوباما وعرض أسامة بن لادن. [email protected]