على الرغم من عدم وجود إحصاء رسمى معلن حول نسبة الطوائف اللبنانية من كامل تعداد السكان، فإن هناك إجماعاً على أن الشيعة باتوا يشكلون الطائفة الأكبر من حيث عدد السكان فى لبنان، حتى إن البعض – من غير الشيعة - يحذر من أنهم قد يصبحون الغالبية بحلول عام 2020، لمعدلات المواليد العالية للشيعة ولمعدلات هجرتهم المتدنية مقارنة ببقية الطوائف اللبنانية. ولعل ذلك يبرر الاهتمام الشديد بالشيعة فى الانتخابات المقبلة على الرغم من أنها الطائفة الأقل للجدل، فهى تكاد تكون موحدة خلف ائتلاف حركتى حزب الله وأمل، إلا أنها أصبحت الطائفة الأكبر والأقوى –عسكرياً واجتماعياً - وإن تراجعت اقتصادياً فى مواجهة السنة. ويرى حزب الله وأمل –ومن ورائهما الشيعة- أن الانتخابات المقبلة قد تمثل نقطة تغيير جذرية فى أوضاع لبنان، خاصة فى ظل ما تؤكده استطلاعات الرأى حول احتمال تغير الميزان بين الأغلبية والمعارضة، بحيث يصبح حزب الله وأمل جزءاً من الحكومة المقبلة. وستكون الانتخابات المقبلة فرصة جديدة ليؤكد حزب الله أنه القوة السياسية الوحيدة التى تمكنت من أن توحد طائفة لبنانية بكل من فيها خلفها، خلافاً للطوائف السنية والمسيحية والدرزية، مما يعطيه قوة متفردة فى مواجهة بقية الفصائل. ومنح تمكن حزب الله من الساحة الشيعية وسيطرته عليها الفرصة له ليدعم حلفاءه فى مختلف الطوائف، مستخدما آلته الإعلامية وعلاقاته المتشعبة داخلياً وإقليمياً، فضلاً عما يتاح له من مال سياسى. ويأتى تحالف حزب الله مع عون –منذ العام 2006- فى صدارة الأسباب التى قد تقود الحزب إلى الحكومة، خاصة بعد أن نجح الحزب فى تدعيم تحالفه مع عون بتحالف أوسع يضم معارضين من جميع الطوائف اللبنانية، بما فيها السنة الذين كانوا موالين بشكل شبه كامل للموالاة. وللشيعة العديد من المطالب التى يرون الانتخابات المقبلة بمثابة وسيلة لإيصالهم للحكم لتحقيقها، ويأتى فى صدارة تلك المطالب تأمين حزب الله ومنحه البعد الرسمى اللازم لتأمين مواصلة احتفاظه بسلاحه دون ضغوط رسمية. ويرغب غالبية الشيعة فى إعادة النظر فى اتفاقية الطائف بعد الانتخابات المقبلة، إذ أصبحوا يرونها بمثابة «ثوب ضيق» على الجسد اللبنانى، لصياغة تلك الاتفاقية قبل 20 عاماً فى ظروف استثنائية، مما حرم الشيعة من الكثير من الحقوق وقلل من حصتهم فى التمثيل الرسمى اللبنانى، بل دفعهم للمعاناة من قلة الخدمات والاهتمام الرسمى بهم، وهو ما يلاحظه أى زائر يقارن بين المناطق الشيعية ومناطق بقية الطوائف. وعلى الرغم من اتفاق الكثير من المحللين على أن الانتخابات المقبلة تشكل نقطة مفصلية حقيقية فى تاريخ لبنان، لأنها ستمنح أحد تيارى 14 آذار أو 8 آذار شرعية الاستمرار، فإن الطائفة الشيعية حرصت على لسان قادة حزب الله وأمل- على التقليل من أهمية الانتخابات فى محاولة منهم للحد من التوترات المنتظرة خلال الانتخابات، خاصة فى ظل التفوق المتوقع لمعسكر الحزب. ويبدو أن الحزب سيكون حريصاً فى أعقاب الانتخابات على إجراء العديد من التغييرات التى طالب بها الحزب مراراً خلال الفترة المقبلة، وعلى رأسها تخفيض عمر التصويت من 21 عاماً إلى 18 عاماً، مما يدعم موقف الحزب فى الانتخابات التالية، كما سيعمل على العودة لقانون الانتخابات القديم الذى يعطى الحزب أفضلية واضحة فى العديد من الدوائر المختلطة بين السنة والشيعة. والملاحظ أن الكثير من المراقبين بدأوا ينظرون إلى الانتخابات المقبلة بوصفها نقطة تحول جوهرية تتيح للفئة المستضعفة تاريخياً فى لبنان (الشيعة)، حيث كانوا يلقبون ب«المحرومين»، أن تتحول إلى طائفة ذات قوة ونفوذ ظاهرين، بعد أن فرض اتفاق الدوحة حقائق جديدة على الأرض فى لبنان لتأتى الانتخابات لتمنح هذه الحقائق غطاء شرعيا، بما يتيح لها الاستمرار والبقاء ويشكل تقويضاً غير مباشر لاتفاق الطائف وإقراراً لشكل جديد من العقد الاجتماعى بين الطوائف اللبنانية المتناحرة.