كل صباح يسلمنى حسن فروز موزع الصحف الشاب ما اعتدت أن أشتريه من جرائد. لكن الأهم هو أنه يعاجلنى فى دردشة خاطفة بعبارة ذكية أو طريفة تعليقا على أهم ما جاء فى صحف الصباح. وفى بعض الأحيان يختار دون استشارتى أن يضيف صحيفة ما إلى ما أشتريه يوميا لأنه يرى أن بها هذا العدد ما لا ينبغى أن يفوتنى. وعادة ما أمتثل لقراره لأننى تأكدت المرة بعد الأخرى أنه غالبا ما يكون محقا. وبوصلة حسن مضبوطة تماما على نبض الشارع المصرى، فكلما تأملت ما يقوله لى فى عجالة كل صباح أجده أكثر عمقا من الكثير مما نكتبه نحن المهمومين بالقضايا العامة. فى الأسبوع الماضى يوم أن كان العنوان الرئيسى فى أغلب الصحف هو حكم الإعدام الصادر فى حق هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى لم يحدثنى عن الحكم ولا عن المتهمين ولا حتى عن الملابسات المثيرة للقضية أو تفاصيل التفاصيل التى انشغل بها الجميع. فبمجرد أن رآنى سألنى «ياترى يا دكتورة الفلوس التى أنفقت على سوزان تميم ثم على قتلها كانت تبنى كم مستشفى وكم مدرسة؟». ثم انصرف سريعا قبل أن يسمع منى إجابة. وتلك هى عادته فى الواقع، فهو سريع الحركة يشركك معه فى أحلامه وما يشغل باله ولكنه يستكمل معك كلامه وهو يجرى نحو عميل آخر أو ينطلق سريعا على دراجته دون أن ينتظر تعليقك على ما قال وكأنه فقط يبلغك رسالة. ولذلك اعتدت أن أستمع بانتباه لرسائله الخاطفة وأستطلع رأيه بين الحين والآخر. سألته الأسبوع الماضى عن زيارة أوباما للقاهرة وخطابه منها للعالم الإسلامى. فكان أول ما لفت انتباهى هو عدم اكتراثه بالموضوع، وهو فى ظنى أمر ذو دلالة بالغة الأهمية ما زلت أتأمل مغزاها. ومع إلحاحى فى الحصول على إجابة قال حسن بهدوء «أهلا وسهلا» ثم التزم الصمت! قلت لكننى أقصد ماذا تريد منه.. ماذا تريد أن تسمع فى خطابه مثلا؟ يعنى ماهو ذلك المعنى الذى إذا قاله فى ذلك الخطاب ستكون سعيدا؟ فأجاب على الفور، «عايز تأكيد أن سياستهم حتتغير»، ثم راح يعطينى المثل بعد الآخر لما نسميه نحن أصحاب الكلام الكبير بازدواجية المعايير وما نطلق عليه القوة الغاشمة. «هو حلال على إسرائيل يكون عندها نووى وحرام على المسلمين؟... ويبطلوا يساعدوا إسرائيل تقتل فى الناس... وبعدين كفاية خراب وتدمير مش بس فى العراق وفى أماكن تانية كثير». لفت انتباهى التعبير الذى كان على وجه حسن بعد أن قال لى كل هذا. فهو على مايبدو، والله وأعلم، كان فى حيرة من أمرى ومن إصرارى على سؤاله حول هذا الموضوع، فهو ذات مرة كان قد نصحنى أن أكف عن الكتابة فى «الموضوعات دى» وطلب منى أن أكتب فى الموضوعات «المهمة». لكن بدلا من أن أستجيب لنصيحته إذا بى أشركه معى فى مناقشة الموضوعات التى أكتب عنها! انصرف حسن فرحت أتأمل كلماته وأتذكر ما كتبته وكتبه غيرى فى صفحات مطولة حول زيارة أوباما فقلت لنفسى معك حق يا حسن الحكاية بسيطة للغاية وهى تتلخص فى أمرين واضحين تماما أولهما أهلا وسهلا بك على أرض مصر ثم بعدها مباشرة، كما قال حسن، عايزين تأكيد أن «سياستكم» حتتغير. بالعربى الفصيح سياستكم وليس كلامكم فقط.