التأمل فى جوائز لجنة إيزابيل هوبير للدورة ال 62 من مهرجان كان يمكن أن ينتهى إلى أن الإجابة عن السؤال عنوان هذا المقال هى بالنفى فالجوائز التى أعلنت متسقة بمنطق داخلى والفيلم الفرنسى «الزمن الباقى» إخراج فنان السينما الفلسطينى إيليا سليمان يشذ بوضوح عن هذا الاتساق. متسقة فى عدم تقدير أهم الأفلام التى عرضت فى المسابقة، دونها فيلم سليمان ومتسقة فى منح الفيلم الفرنسى «رسول» إخراج جاك أوديارد الجائزة الكبرى، ودعك من اسمها الجديد بعد أن كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة، والذى التبس حتى على وليم دافو وهو يقدمها، وتصور أنها السعفة الذهبية، وبالتالى لا يمكن أن تقدر فيلم سليمان بالذات، فالعرب فى فيلم «رسول» مجموعة من المجرمين يعيشون فساداً فى فرنسا داخل وخارج سجونها، ولكنهم فى فيلم «الزمن الباقى» أصحاب حضارة وثقافة فى فلسطين يقاومون من يسرقون أرضهم وحضارتهم وثقافتهم. شاهدت آلاف الأفلام على مدى سنوات عملى فى النقد السينمائى منذ عام 1965، ولكنى لم أبك بدموع غزيرة أثناء مشاهدة أى فيلم باستثناء عشرة أفلام على أقصى تقدير أذكر منها «إنهم يقتلون الجياد أليس كذلك» إخراج سيدنى بولاك تعاطفاً مع بطليه خاصة كلما ظهرت كلمة «خروج» على الأبواب الداخلية لقاعة الرقص، و«الأرض» إخراج يوسف شاهين فرحاً بالمستوى الفنى الذى وصلت إليه السينما المصرية، و«المرآة» إخراج أندريه تاركو فسكى الذى شاهدته فى عرض سرى فى موسكو عام 1975 لأنه كان ممنوعاً، وتصورت أنه سوف يتعرض للإبادة ولن يتاح لأحد مشاهدته مرة أخرى، وكم هو مجهول ذلك الإنسان حقاً، فقد أدى هذا الشعور إلى حفظ الفيلم فى ذاكرتى مثل قصيدة من الشعر. وأصبح فيلم «الزمن الباقى» من الأفلام القليلة التى بكيت أثناء مشاهدتها لأول مرة مع ملاحظة الفارق بين البكاء والتأثر العاطفى. بكيت فى المشهد - اللقطة المصورة عن بعد ودون أن تتحرك الكاميرا والتى يقوم فيها جنود إسرائيل أثناء حرب 1948 بسرقة محتويات منزل فلسطينى ومن بينها جرامفون يجربونه فى السيارة العسكرية فيذيع أسطوانة أغنية ليلى مراد «أنا قلبى دليلى» التى لا يفهمون كلماتها ولا يتذوقونها بالطبع. فهذه الأشياء هى رموز ثقافة الشعب العربى فى فلسطين وعندما زارنى إيليا سليمان فى منزلى فى القاهرة منذ أكثر من عشر سنوات أهدانى آنية فلسطينية خزفية بديعة، وقال لى: هذا ما بقى لنا، فقلت له: ولكن ما بقى هو كل شىء. [email protected]