لم أكن أتصور عندما كتبت مقالى الأسبوع الماضى عن «مخاطر حملة القمح» أن المقال سيلقى هذه الاستجابة السريعة من كل ألوان الطيف السياسى المصرى، ومن زملاء وأساتذة كبار فى العديد من الصحف القومية والمستقلة والحزبية، ومن قراء أدهشونى بوعيهم الذى يتجاوز كثيراً وعى عدد من كبار «نجوم» مهنة الصحافة، الذين يحلو لهم بين وقت وآخر أن يطالعونا بحملات عاصفة فى قضايا شديدة الأهمية لا يملكون أدنى مؤهلات الخوض فيها. فى الأسبوع الماضى حذرت من الانسياق الأعمى فى زفة تجريس صفقات القمح الأوكرانى والروسى لمجرد أن موظفاً فى الحجر الزراعى أعد تقريراً وسرّبه عامداً إلى بعض الصحف وبعض نواب مجلس الشعب، جاء فيه أن شحنة قمح تم استيرادها من روسيا تحتوى على بذور حشائش وعلى حشرات ميتة، وعلى الرغم من أن موظفى الحجر الصحى أعدوا تقريراً آخر عن الشحنة ذاتها انتهى إلى سلامة القمح وصلاحيته للاستهلاك الآدمى، فإن حمَلة مشاعل الإثارة عزّ عليهم أن يلتفتوا إلى تقرير الحجر الصحى، وواصلوا الحملة الشرسة على القمح الروسى باعتباره فاسداً. وقلت فى مقالى إننا يجب أن نحترس أشد الاحتراس فى تناولنا لهذه القضية تحديداً، لأن توفير معلومات محددة فى وقت محدد عن قضية محددة أصبح أمراً شائعاً فى التنافس الاقتصادى على الانفراد بالأسواق الضخمة، ونبهت إلى أن مصر هى ثانى أكبر دولة فى العالم فى استيراد الأقماح، وأن وارداتها تصل سنوياً إلى حوالى 9 ملايين طن قمح، تقدر بأسعار هذا العام بأكثر من 1.5 مليار دولار، وتلك صفقة ضخمة وارد فيها لجوء الشركات العملاقة إلى استخدام أسلحة منحطّة للانفراد بمعظم مكاسب هذه الصفقة. وأشرت أيضاً إلى أن مصر قبل حوالى 6 سنوات كانت تعتمد أساساً على الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تأمين احتياجاتها السنوية من القمح، وكانت تلك خطيئة سياسية تم تداركها، ولجأت مصر إلى تنويع مصادر رغيف خبزها من عدة دول، على رأسها روسيا وأوكرانيا وأستراليا وفرنسا وسوريا، وتراجعت أمريكا إلى المرتبة الخامسة وأحياناً السادسة فى ترتيب الدول المصدرة للقمح إلى مصر، ولهذا كله طالبت الزملاء الأعزاء الباحثين عن أخبار الفساد، بأن ينتبهوا إلى مخاطر هذه الحملة على القمح الروسى.. فلربما كان الهدف منها إعادة مصر إلى حظيرة القمح الأمريكى بكل شروطه السياسية المهينة. جريدة واحدة فقط لم يعجبها ما كتبته، هى «جريدة الأسبوع» التى يرأس تحريرها مصطفى بكرى، والتى لجأت إلى «شتمى» بدلاً من مناقشتى فيما كتبته، واتبعت طريقة فى شتمى تتنافى مع آداب السلوك المهنى المنضبط، حيث نشرت فى صفحة 7 من العدد الأخير ما نصه: «أحد الكتاب الذى يتشابه اسمه مع اسم مناضل فلسطينى سجين، تخصص فى الدفاع عن خطايا يوسف والى ورجاله (...)، ولأنه يتحرك وفقاً للدفاع عن مصالح الفاسدين، فقد وصف الحملة الأخيرة للكشف عن فساد القمح الروسى بأنها مريبة فى توقيتها.. ليؤكد الكاتب إياه أنه ليس أكثر من أداة للدفاع عن حلف الفساد». والحقيقة التى أقولها صادقاً، إن الشتائم التى صدرت عن هذه الجريدة فى حقى أثلجت صدرى، وطمأنتنى إلى نظافة الطريق الذى أسير فيه.. فهى واحدة من الصحف التى إذا أحسنت الظن بى، أسأتُ الظن بنفسى فوراً.. والعكس صحيح تماماً. [email protected]