عندما كتبت فى هذه المساحة أمس، متعرضاً لما حدث فى الأهرام من «تعديل» لصورة شهيرة، اخترت للمقال عنوان «المسؤولية»، وهى ذات الكلمة التى عنون بها الزميل العزيز أسامة سرايا أول مقالاته الافتتاحية فى صحيفة «الأهرام» فور تسلمه مهامه كرئيس تحرير لهذه الصحيفة العريقة فى يوليو 2005، يومها أبدى سرايا استشعاراً حقيقياً بأهمية الراية التى تسلمها، والمسؤولية التى بات عليه أن يتحملها، والمقعد المهيب الذى آل إليه، وسط حالة تغيير كبيرة فى المؤسسات الصحفية القومية استبشر بها الجميع خيراً. لكن «الأهرام»، على عكس كل الصحف والمؤسسات القومية، هى جزء أصيل من السياسة قبل أن تكون «عموداً فقرياً» لصناعة الصحافة فى مصر والعالم العربى، هى الجريدة التى تُعرف فى العالم كله بالجريدة الرسمية أو «شبه الرسمية» على الأقل، يعرف من خلالها أى محلل متخصص اتجاهات السياسة العامة للدولة، ويفسر العالم من بين سطورها مواقف مصر الرسمية من جميع القضايا. لست هنا أمام مجرد صحيفة، ف«الأهرام» أكبر من ذلك، ووضعها على خريطة الصحافة والسياسة يجعلها فى موقع استثنائى، جدير بمن فيها أن يدركوه، مثلما يدركه كثير خارجها، لذلك عندما يخرج رئيس تحرير الأهرام، على سبيل المثال، ليكتب مقالاً ينتقد فيه نظاماً عربياً شقيقاً، فلا يمكن أن يقول الجملة الصحفية المشهورة، حول أن الآراء الواردة تعبر عن صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن المؤسسة. الحقيقة أنه لا يفهم منها أنها تعبر عن المؤسسة فقط، وإنما يمتد الفهم ليقين بأنها تعبر عن الدولة أيضاً. وعندما تخرج الصحيفة بتقرير مطول عليه اسم د. عبدالمنعم سعيد، بمكانته الوظيفية قبل العلمية والبحثية، حول المفاوضات المباشرة وطريق السلام، فإن مجمل ما تفهمه من هذه السطور هو انعكاس لموقف الدولة المصرية، يقدمه لك عبدالمنعم سعيد بحكم قربه من صناعة القرار، والأهم بحكم قرب «الأهرام» من هذا المركز الحيوى لصناعة القرار فى مصر، وعندما تتصدر التقرير صورة لزعماء يتصدرهم الرئيس مبارك، ويكون «ملعوب» فيها بالجرافيك، فلا تستطيع أن تلوم أحداً فى العالم كله ربط بين الصورة ود.عبدالمنعم سعيد، وبين موقف الدولة، واعتبر أن الموضوع برمته ما كتبه عبدالمنعم سعيد، والصورة «الملعوب فيها» يعبر عن الدولة، وكأنها راضية عن استخدام «التزوير» فى إيصال رسالة ما للعالم، لم يكن مضمونها يستحق كل هذه المغامرة بسمعة الأهرام والصحافة المصرية والدولة أيضاً فى العالم كله. يزيدك الزميل أسامة سرايا مرارة حين تأخذه العزة بالإثم، ويرفض الاعتراف بوجود خطأ ما تجاوز تأثيره حدود الصحافة والمشاحنات بين الصحفيين والصحف بمصر، بل يباهى بما حدث، ويعلن صرف مكافأة لمن فعل ذلك، لكنه يخطئ خطأ أكثر فداحة إذا ظن أن فى التعليق على ما حدث نوعاً من الاستهداف أو الاصطياد ل«الأهرام»، بقدر ما هو نوع من الخوف والحرص على مؤسسة لا تستقيم الحياة الصحفية فى مصر دونها. وأقولها مرة أخرى: لا يوجد صحفى لديه قدر من الولاء لمهنته يمكن أن يجد مصلحة أو سعادة فى انهيار «الأهرام»، لأنها قاطرة الصناعة والأمينة على المهنة، نريد أن يعرف العالم كله ذلك، لكن المؤسف أننا نفاجأ بأن فى داخل «الأهرام» من لا يعرفون كل هذا، ولا يكترثون بأهميته! [email protected]