يخطفنى بين حين وآخر الأستاذ «أحمد بهاء الدين» القائل: «إذا تحالف الجهل مع الفساد تقع الكارثة»!! تلك الصياغة التى تبدو كأنها معادلة رياضية، أو نتيجة لتجارب فى واحد من معامل الكيمياء.. أطلقها «الأستاذ» قبل أن ينتهى القرن الماضى بأكثر من 10 سنوات.. ويتغير الزمان ويتغير المكان.. لكن يا مصر إنتِ.. يا اشتراكية ورأسمالية – فى الوقت نفسه – زى ما انتِ.. فلم نعد نعرف إن كنا ذهبنا بالفعل إلى عالم الحرية والديمقراطية والرأسمالية.. أم أننا نراوح فى المكان ذاته على أرض الشمولية والاشتراكية والبروليتاريا.. مؤسسات القطاع الخاص تقودها كوادر القطاع العام بنجاح نسبى.. شركات القطاع العام تحاول أن تتحرر نحو الرأسمالية بقيادات لم يسبق تأهيلها.. بقيت لنا الرأسمالية فى شكلها، والاشتراكية بمضمونها وجميع تفاصيلها!!.. فلا نحن مجتمع قادر على التحرك للأمام، ولا نستطيع العودة للخلف.. ندور حول أنفسنا.. القيادة الليبرالية.. الرأسمالية.. «المولعة» بالغرب وما يحدث فيه.. تمارس عملها وفق المنهج الاشتراكى.. زعماء الحركات اليسارية– السرية والعلنية– أصبحوا نجوم مجتمع رجال الأعمال.. شيوخنا يبيعون لنا الدين بالبدلة والكرافت والمسبحة من نفس لون ملابسهم!!.. تركوا وقار رجال الدين وذهبوا ينافسون نجوم الغناء والتمثيل فى حلقات أسميها «الدين كليب».. نجوم التمثيل انقلبوا إلى مذيعين ومذيعات على شاشات التليفزيون.. لاعبو كرة القدم زعموا أنهم أساتذة فى الصحافة والإعلام التليفزيونى.. الصحفيون أخذتهم البورصة والاستثمار العقارى والعمل كمستشارين للوزراء والفنانين ورجال الأعمال.. والقياس يمكن أن يأخذنا إلى كل الحرفيين الذين لا يجيدون عملهم لانشغالهم بالتجارة.. فلا هم فلحوا هنا ولا فشلوا هناك.. تلك هى المسألة التى لخصها الأستاذ «أحمد بهاء الدين» فى قولته الشهيرة: «إذا تحالف الجهل مع الفساد تقع الكارثة»!! على نيل القاهرة يقع المبنى العريق المعروف باسم «ماسبيرو» الذى امتد إلى مدينة الإنتاج الإعلامى على بعد بضعة كيلومترات.. أكثر من 40 ألف موظف.. بينهم آلاف يتقاضون بضع مئات من الجنيهات شهريا.. نفر قليل منهم يحصل على مئات الآلاف قبل أن ينتهى كل شهر.. كبير اتحاد الإذاعة والتليفزيون يفاخر بأنه من القطاع الخاص، وإليه سيعود.. أى أنه لا ينكر اعتناقه الفكر «الأمريكانى».. ثم يؤكد أن إجازته خلال هذه المرحلة يمارس فيها كثيراً من الاشتراكية وقليلاً من الرأسمالية.. معادلة يصعب أن نجدها بعيدا عن ضفتى نهر النيل.. أكثر من 10 برامج أنتجها التليفزيون المصرى خلال شهر رمضان.. أهدر فيها «الكبير قوى» عشرات الملايين من أموال دافعى الضرائب فى مصر.. وحصد الفشل بامتياز.. أغرق الأمة فى فيضان من المسلسلات، دون أن يعرف الغث فيها من السمين.. ألقى الضوء على «الكلام الفارغ».. وحاول التعتيم مع سبق الإصرار والترصد على الأعمال ذات القيمة.. لم يهتم بمسلسل «الجماعة» وهو واحد من أروع الأعمال الدرامية هذا العام.. بل إنه وقف مكتوف اليدين دون تحريك ساكن، تجاه محاولات التشويش على هذا المسلسل من داخل ماسبيرو.. فهو غير قادر على ترويض طابور «جماعة المطار السرى المحظورة» داخل جهازه.. عجز عن لفت الأنظار لمسلسل «الحارة» وفيه إبداع وتجويد درامى يحملان علامة الصناعة المصرية.. وطاردنا بإعلانات عن السخف والاستهتار الدرامى اللذين قدمتهما «الحاجة زهرة» مع أشباه رجالها الخمسة!!.. والقياس على ذلك مع مسلسلات «اختفاء سعيد مهران» و«بره الدنيا».. مقابل الاهتمام بمسلسل «أهل كايرو» وهو عمل درامى جيد.. لكن غيره من الأعمال الجيدة لم ينل الحظ نفسه. فى ماسبيرو بقى الاتحاد الاشتراكى وتنظيمه الطليعى قائما.. لكن الرأسمالية الأمريكية حاضرة فيما يقتنصه نفر قليل من المتعاونين، يساوى مئات الآلاف شهريا.. أخشى الدخول أكثر فى حقل الألغام الذى صنعه «الكبير قوى» فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. فهو بارع فى تكوين جيش مسلح بالنفوذ داخل صحف القطاع الخاص، وبمهارة اتخذ لنفسه جندا بالعشرات داخل الصحف القومية.. شبكة هائلة نسجها «الكبير قوى» فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون لتحميه وتدافع عنه فى أوقات الاحتياج.. قد يعطيهم الإذن بالتصدى لمن تسول له نفسه كشف حزب الاتحاد الاشتراكى الأمريكانى على ضفاف نهر النيل!! المسؤولية يتحملها «كبير عيلة نظيف أفندى» الذى لا يسأل عن إهدار المال العام فى تلك الوزارة.. يتحملها– أيضا– وزير الإعلام مهما كان مشغولا بمهام جسيمة وكبيرة.. يتحملها دافع الضرائب الذى يترك أمواله وثروات وطنه، لإهدارها بهذه الطريقة غير المسبوقة.. كلنا نلعن الاشتراكية.. نصرخ من الرأسمالية.. والحقيقة أن كليهما برىء منا براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. لأن الدماء التى سالت على ملابس السهرة فى رمضان– مع احترامى لأنطونيو باييخو– تستوجب التحقيق لإجلاء الحقيقة عن تلك المغامرات المحفوفة بالمخاطر، عندما يغادر «الكبير قوى» أرض الاتحاد الاشتراكى إلى عالم القطاع الخاص الأمريكانى.. ساخرا من أن أكبر جهاز إعلامى فى الدولة المصرية تم تسليمه إليه ليلهو به، بل يرقص داخل أروقته «رقصة الموت»، فهذا مبنى لا صاحب له فى زمن الاتحاد الاشتراكى الأمريكانى – ماسبيرو نموذجا! [email protected]