عن الإبداع والثورة والخفافيش

انعقد مؤتمر «الإبداع والثورة» فى قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة من 13- 15 نوفمبر 2012. وبينما أخطو إلى داخل المبنى صباح الثلاثاء، وجدتنى أفكر أن هذه الجامعة، التى احتضنتنى منذ كنت طالبة وشكلت عقلى ووجدانى، كانت أحد مشاريع مصر التنويرية فى أوائل القرن العشرين. ووجدتنى أبتسم بامتنان للذكرى البعيدة للأميرة فاطمة، ابنة الخديو إسماعيل، التى دفعت بمشروع الجامعة للاكتمال عندما أوقفت لها مساحة من أراضيها الزراعية وتبرعت بمجوهراتها كى توفر سيولة مالية عاجلة، كما منحت الجامعة مساحة أرض كى يقام عليها الحرم الجامعى.
فى الداخل بدا المكان كعرس حقيقى، وقد امتلأ بأساتذتى وزملائى وطلبة القسم والضيوف الأجانب. الجميع يسرع من غرفة محاضرات إلى غرفة أخرى يحاول اللحاق بكم هائل من الأوراق البحثية التى تدور حول الثورة. كان هواء المكان مشحوناً بطاقة من الفرح والتحدى. فعلى الرغم من إمكاناتنا المحدودة جاء المؤتمر غنياً بالأبحاث، منضبط التنظيم. أجيال مختلفة من أساتذة الأدب من مصر وخارجها جلسوا على المنصات فى خمس جلسات متوازية يقلبون أوراق الصناديق القديمة والجديدة، فكان «بروميثيوس»، الذى سرق نار المعرفة والثورة وأهداها للإنسان، حاضراً، وحضر نجيب محفوظ ب«أولاد حارتنا»، وحضرت سرديات ثورة يناير، وحضرت توكل كرمان الثائرة اليمنية من خلال بحث يدور حول لغة المقاومة والنوع الاجتماعى والقوة، وحضرت فرقة «إسكندريلا» كتمثيل لدور المثقف العضوى كما تناوله جرامشى وإدوارد سعيد.
فى اليوم الأول للمؤتمر قدم القسم مسرحية «الثالث» للكاتبة الأمريكية «ويندى وازرستين» على مسرح المدينة الجامعية. أبدى الحضور إعجابهم بحرفية العمل المقدم باللغة الإنجليزية من إخراج أستاذة المسرح دينا أمين، وفريق العمل من طلبة وخريجى القسم، ولم يعلم أحدهم شيئاً عن الصعوبات التى واجهت الفريق، بدءاً من مسرح الجامعة الذى يتقاضى من كليات جامعة القاهرة مبلغاً مالياً كى يتم عرض النشاط الطلابى المسرحى، وصولاً إلى عمال المسرح الذين وضعوا العراقيل واختلقوا المشاكل مع العاملين فى المسرحية لأسباب من الممكن التكهن بها.
بعد المسرحية انتابت النشوة أحد الأصدقاء من أساتذة الأدب العربى المشاركين فى المؤتمر فقال لى «طالما أن مثل هؤلاء الناس فى مصر فلا خوف علينا من طيور الظلام».
للثورة ألف وجه، فمثلما تتجلى فى الشوارع والمصانع، فنارها أيضا تتأجج تحت قبة الجامعة العريقة. ووقود تلك النار هى عقول مصر، والإيمان الذى يملأ القلوب بأن الثورة مستمرة طالما أننا نتنفس ونكتب ونبحث ونقدم فناً، ونتذكر أن الأماكن التى تضمنا ظلت منارة للعلم والمعرفة حتى أثناء سنوات الانهيار، وستبقى كذلك.