نلوم «الجزيرة» والعيب فينا

يلوم الإمام الشافعى عجز القادرين على التمام، فليس هناك لوم علي غير القادر، وإنما من يقدر على التمام ويعجز، والتليفزيون المصرى الحكومى الذى يملك أكبر ميزانية لتليفزيون حكومى فى العالم كله، ومع ذلك لا يستطيع حتى مجرد منافسة تليفزيون «الجزيرة».
والتليفزيون المصرى الحكومى صورة مصغرة لمصر كلها الآن، فمصر تملك نهر النيل وتطل على بحرين «الأبيض والأحمر» وبها عدة بحيرات طبيعية إلى جانب بحيرة السد العالى، ومع ذلك فالأسماك فيها ليست طعام الفقراء.
ومصر بها ربما نحو نصف آثار العالم المعمارية والفنية ومع ذلك لا يقبل عليها السياح كما يقبلون على دول لا تملك أى آثار، فلماذا لا تكون مصر أكبر بلد يقبل عليه السياح فى العالم.
وحسب مقاييس الأمم المتحدة فالطفل المصرى أذكى أطفال العالم حتى سن السادسة عندما يبدأ الدراسة، أى أنها تملك ثروة بشرية كما تملك ما يكفيها ويزيد من كل الثروات الطبيعية، من البترول إلى الذهب، وتطول الأمثلة التى تقطع بقدرة مصر على التمام، وعجزها عن الوصول إلى مجرد المنافسة مع دول لا تملك القدرة على مجرد الحلم بالتمام،
ولذلك لا غرابة فى عجز التليفزيون المصرى الحكومى عن مجرد المنافسة مع شبكة قنوات «الجزيرة» التى أصبحت أكبر حزب سياسى فى العالم العربى.
نعم، «الجزيرة» أكبر حزب سياسى فى العالم العربى، ففى ظل غياب ديمقراطية حقيقية فى كل دول العالم العربى، أى أحزاب تتكون فى الشارع عبر الممارسة السياسية وتتداول السلطة، ولا تتكون بقرارات إدارية فوقية ويستحيل أن تتداول السلطة.. أصبحت وسائل الاتصال بالجماهير، خاصة الصحف وقنوات التليفزيون هى الأحزاب عملياً، وفى ظل انتشار الأمية الهجائية، وعدم مواجهة كارثة ميل الشباب إلى عدم اعتبار الكتاب المصدر الأول والأساسى للمعرفة، أصبحت قنوات التليفزيون هى الوسيلة الأكثر تأثيراً من أى وسيلة أخرى، من وسائل الاتصال بالجماهير.
ولو كانت سياسة «الجزيرة» الدعوة إلى الديمقراطية الحقيقية والإعلاء من شأن الحرية لساهمت فى قطع نصف الطريق إلى مستقبل أفضل للعالم العربى، ولكنها على النقيض من ذلك سياسة تبيع الحرية من أجل أى شىء، ويعلمنا التاريخ أن من يبيع الحرية من أجل أى شىء يفقد كل شىء.
وقوة «الجزيرة» ليست فيما تروج له، وإنما فى اتباع الأصول المهنية الغائبة عن التليفزيون المصرى فضلاً عن سياسته العقيمة، وجوهرها ليس فى الإمكان أفضل مما كان ويكون.
samirmfarid@hotmail.com