ما شعور الإنسان وهو يحمل شهادة وفاته وهو على قيد الحياة؟ هذا السؤال أطرحه بعد واقعة الزوجة المصرية رباب حسين عمران، 34 سنة، التى قال لها الأطباء فى القاهرة إن حياتك فى خطر وإن إجراء عملية لك فى مصر قد يؤدى إلى الوفاة.. معنى كلامهم أنهم يطلبون منها السفر إلى الخارج للعلاج، وهى لا تملك ثمن تذكرة أتوبيس. .. وأمام دموع هذه الزوجة الشابة، كان عليها أن تسأل، هل تستسلم لقدرها وتبقى على قيد الحياة حتى يأتيها أجلها.. أم تبحث عن طاقة نور فى المراكز غير الحكومية لعلها تجد من يلغى شهادة وفاتها؟ بعض الناس أشاروا عليها بجراح متخصص فى الكبد.. مصرى ومقيم فى لندن.. وفى مركزه الطبى طلبوا منها خمسين ألف جنيه دفعة أولى ومن يدرى كم تكون بقية الدفعات.. حاولت أن تطرق الأبواب لعلها تستطيع أن تستدين هذا المبلغ.. لكن الأبواب كانت مسدودة إلى أن هداها الله إلى مركز طبى تابع لجامعة المنصورة.. وهناك التقت بالأستاذ الدكتور الجراح «محمد عبدالوهاب على» المشرف على جراحات الجهاز الهضمى وزراعة الكبد.. وكأن الله كتب لها عمرا على يد هذا الجراح بلا مقابل.. لم تدفع له أتعابا.. ولا مصاريف العملية فى المركز الطبى.. كل شىء كان مجانا. هذا هو الفرق بين طبيب مصرى وطنى.. وبين طبيب مصرى بريطانى. ومن يسمع حكاية رباب من بدايتها.. يسمع فيها العجب.. فقد كانت ضحية جراح فى أحد مستشفيات الدقى، ذهبت إليه لاستئصال المرارة فقام بتدبيس القناة المرارية معها، وأصبح السائل المرارى خارج القناة يهدد بتسمم الدم، وارتفاع نسبة الصفراء إلى أقصاها. أنا شخصياً لجأت إلى مكتب الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة، لعله يستطيع أن يشكل فريقاً من الجراحين لتصحيح خطأ هذا الجراح.. على الأقل إنشاء قناة مرارية أخرى لإنقاذ حياة هذه الزوجة الشابة. وللحق تحمس الدكتور عماد عزت وكيل الوزارة لشؤون مكتب الوزير وأرسل ملف رباب إلى مستشفى الساحل وهناك قام الدكتور محمد هلال مدير المستشفى بتشكيل فريق من الجراحين.. استعرضوا حالة رباب فاكتشفوا أنها أجرت عملية خطأ.. وقد كانت هناك ثلاث محاولات للدخول بالمنظار الجراحى لإنشاء قناة مرارية، لكنه تعذر بسبب تدبيس القناة المرارية.. انتهى التقرير إلى تعذر إجراء العملية لها فى مستشفى الساحل وهو المستشفى الذى أصبح مركزا لزراعة الكبد فى مصر.. وقد أصيب الزوج حازم محمد عبدالغنى السمان بصدمة بعد أن اكتشف أن زوجته «رباب» مهددة بالموت.. وبدأ الرجل يفكر فى طفلته الوحيدة «منة الله» 5 سنوات.. كيف يحمل لها الخبر.. كيف يمهد لها بنهاية الأم التى يتوقعها فى أى لحظة. وأذكر أنه طلب منى أن أساعده فى الوصول إلى مركز جراحات الجهاز الهضمى فى جامعة المنصورة، حيث أبلغوه أن هذا المركز قد يتبنى قضية زوجته.. وفعلاً عرضت هذه القضية على الأستاذ الدكتور الجراح محمد عبدالوهاب الذى طلب زيارتها إلى المركز.. وهناك قرر إجراء عملية جراحية عاجلة لها.. وبنفس الكتيبة التى تعمل معه فى زراعة الكبد.. قام بإجراء العملية وظل فيها ما يقرب من 10 ساعات بعد أن قام بعمل قناة مرارية جديدة لها حيث وضع يده على خطأ الجراح الذى استأصل المرارة عندما قطع القناة المرارية الرئيسية ثم قام بتدبيسها داخل الكبد. الزوج الذى يعمل مفتشا فى التأمينات كان يبكى كالطفل بجوار زوجته وهى فى غرفة الإفاقة.. كان يصلى من أجلها.. يقبل أصابع اليد وهو لا يصدق أن الحياة عادت إلى رفيقة مشواره.. وأن طفلته «منة الله» سوف ترعاها الأم.. ولن تغيب عنها، لقد أمضت الأم ثلاثة أيام فى مركز المنصورة.. وسمح لها الدكتور عبدالوهاب بالعودة إلى بيتها فى القاهرة.. بعد أن ألغى شهادة وفاتها.. صحيح أن الذى يحدد الساعة هو الله سبحانه وتعالى.. ولكنَّ لله أشخاصاً حببهم فى الخير.. وحبب الخير فيهم.. وهذا الجراح هو أحد الذين اختصهم الله برفع المرض عن عباده.. ثم إن الإعجاز فى الشفاء من عند الله.. ولا قدرة غير قدرة الله.. والعبد هو الشخص الذى وضع الله فيه سره.. فمنحه قدرة العلاج. أنا شخصياً لو جاز لى أن أحنى رأسى.. أحنيها لمركز جراحات الجهاز الهضمى فى جامعة المنصورة على رسالته مع المرضى الغلابة وعلى حد تعبير العلامة الدكتور محمد عبدالوهاب على أن الذى يحتضن هذا المركز الأستاذ الدكتور أحمد شهاب الدين رئيس جامعة المنصورة.. وهو أستاذ المسالك البولية فيها ويقوم بزراعة الكلى.. وكم كانت سعادتى أن أرى عالماً كالدكتور عبدالوهاب وهو يتباهى برئيسه الدكتور أحمد شهاب الدين رغم أن الاثنين يتساويان فى العلم.. فالأول عالم فى زراعة الكلى.. والثانى عالم فى زراعة الكبد قام حتى الآن مع فريق العمل بإجراء ما يقرب من 75 عملية زرع كبد.. ورسالته كعالم لم تتوقف، لقد امتدت إلى أبنائه الأربعة ريهام وخالد ومحمود وطارق حتى أصبحوا أطباء أيضاً. كلمة أخيرة أقولها: بارك الله فى علمائنا وفى أولادهم.. صحيح هذه هى مصر. [email protected]