عندما نراقب الصراع القائم بين العلمين المصرى والجزائرى أثناء وقبل وبعد المباراة التى تفصل بين وصول أحد المنتخبين إلى مونديال كأس العالم 2010، نجده أمراً طبيعياً، ولكن عندما تخرج الأعلام من مجال الصراع على المستطيل الأخضر إلى صفحات الجرائد والقنوات التليفزيونية ليتحول معه إلى صراع إعلامى تتهافت عليه وسائل الإعلام، وتتحول أجهزة الإعلام إلى وسائل لشحن المشجعين من البلدين بشكل ملحوظ، فهذا مرفوض، وهو ما وصفه الخبراء والنقاد ب«الأزمة الإعلامية»، لعدم الموضوعية من الجانبين المصرى والجزائرى، أو لأنها ملفات قديمة تفتح من جديد فى تلك المباريات، بينما يرى آخرون أنها استثمار للحدث هدفه الأساسى الربح. وبمجرد النظر إلى الصفحات الأولى لدى باعة الصحف فى الأيام الماضية، يمكنك أن تلاحظ اتفاقها فى المضمون، فالغالبية توحدت على فكرة «مانشيت» واحد يتحدث عن المباراة الحاسمة، وهو ما وصفه ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، بأنه تغيير واضح لأجندة وأولويات الصحف التى هيمنت عليها الرياضة بشكل ملحوظ، مشيراً إلى أن معظم الإعلام الرياضى لعب دوراً سلبياً إزاء تلك التغطية الكروية بين البلدين، وقال: «الجديد أنه على هامش هذه المنافسة فإن الإعلام الرياضى صاحب أنماط الإعلام الأخرى واتبع ذات الممارسة السلبية، وهو ما بدا واضحاً من خلال المتابعة اليومية للتغطيات الإعلامية التليفزيونية والمكتوبة والإلكترونية، خاصة مع تحول صحف السياسة وبرامج إخبارية إلى متابعة الحدث، الذى هيمن على أجندة وأولويات معظم الوسائل، كما أنها زادت من الشحن والتعبئة لدى مشجعى البلدين، واحتوت على الكثير من تشويه الحقائق وأنماط الانحياز، وأضرت بالعلاقات المصرية - الجزائرية. وأضاف: «الذى يطالع الإعلامين المصرى والجزائرى الآن، يظن أن البلدين فى حالة حرب لاختفاء النزاهة والقيم المهنية أثناء تغطية المباراة». وقال: «غابت المسؤولية تماماً عن الكثير من المعالجات الإعلامية، والأصوات المعتدلة والمسؤولة احترافياً على خلق التوازن والموضوعية، غابت تماماً لمصلحة أصوات مهيجة، تعمد إلى تحقيق الرواج على حساب القيم المهنية، وظهر الكثير من تشويه الحقائق واختلاق القصص وفبركتها، واسترجاع بعض الأحداث بعيداً عن سياقها فى مناخ عنوانه التحريض والهوس»، وأضاف: «الحالة التى كان عليها الإعلامان المصرى والجزائرى فى معظمهما، خلال هذه المنافسة، تشبه حالة الدول التى تخوض حروباً أو اضطرابات ونزاعات، وبالطبع هذا ليس دور الإعلام، وليست هذه القيم التى يجب أن يتبناها لأنه ابتعد بها عن الأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بشكل ملحوظ». وأرجع الكاتب الصحفى جمال العاصى، السبب الرئيسى للصراع الإعلامى فى تغطية ومتابعة أحداث المباراة، إلى اندماج الصحف الخاصة مع القنوات الفضائية، بالإضافة إلى أن هناك عدة قنوات تليفزيونية جديدة تعمل بأفكار «مراهقة» تفتقد الكثير من الخبرة، وقال: «90٪ من العاملين فى الحقل الإعلامى من لاعبى كرة القدم السابقين، وهم بطبيعتهم وتكوينهم لا يفكرون إلا بمنطق أقدامهم، لذا فهناك صراعات بين اللاعبين وبعضهم، لم تتوقف على صراع لاعب أهلاوى أو زملكاوى، وإنما بدأ كل منهم يبحث عن سلطة جديدة، دون أى استراتيجية واضحة، بالإضافة إلى الفراغ الكروى الكبير الذى نشهده بعد توقف الدورى، فبالطبع وجد الرياضيون المباراة وسيلة لملء أوقات الفراغ التى يعيشونها، فتحول كل منهم إلى وسيلة شحن تبحث عن متلقيها». لم يتوقف النقد عند الإعلام الرياضى، وذكر العاصى أن هناك خلفيات تاريخية وملفات لم تغلق مع الجزائر خلقت كراهية مكتومة بين الجمهورين كروياً، مؤكداً أن الإعلام الجزائرى كان حاداً وكارهاً لنا بشكل ملحوظ، وصدّر كراهيته إلى جمهوره وشعبه، حتى وصلت الكراهية إلى القاهرة وسط مناخ إعلامى رياضى مراهق، وصلنا إلى تلك المرحلة، رغم أننا كمصريين نسينا كل الملفات القديمة، إلا أننى أعلم أننا سنرى حصاداً مراً اليوم. ويرى الكاتب الصحفى محمد سيف، مدير تحرير جريدة الأهرام الرياضى، أن تصرفات الجمهور الجزائرى ليست وليدة شحن إعلامى، لأنها ليست جديدة علينا، فهم يعدون من أكثر الجماهير تعصباً لكرة القدم، وبالعودة إلى التاريخ نجد أن أكثر المباريات عصبية هى التى يكون أحد طرفيها جزائرياً، مدللاً على ذلك بقوله: «لعبنا مع تونس والمغرب على كأس العالم، ولم نر هذا التعصب الذى تتمسك به الجزائر، ولكن ما حدث أن الإعلام المصرى بخبراته ورواجه انزلق لعمل رد فعل على ما يحدث، وهذا أمر غير سليم، لأن الفعل ناتج من إعلام غير معترف به، وهو الإعلام الجزائرى، الذى يقتصر على صحف بسيطة وقنوات فضائية أقل تواضعاً، أى أنهم ليسوا على مستوى المنافسة من البداية مع إعلامنا المصرى». وأضاف سيف: «مع احترامى للإعلام الجزائرى، فإننا تعاملنا معها بشكل أكثر مما يستحقه، فهو فى النهاية 4 صحف لم يصل توزيعها إلى توزيع جريدة مصرية واحدة، وخبراتها محدودة، ولكننا تحولنا إلى رد فعل خصصنا له كل ما أوتينا من صحف وفضائيات وبرامج، وتعاملنا مع إعلام سطحى ليس على قدر المنافسة، فظن الطرف الآخر أن لدينا مخاوف من تأثيره على المباراة، وكان من الأفضل تجاهله حتى لا يصاب بجنون العظمة».