إذا كان تليفزيون الدولة قد قرر الانفراد بنقل مباراة مصر والجزائر، مساء اليوم، فهو يعاقب 80 مليون مصرى، قبل أن يحارب القنوات الخاصة ويمنعها من نقل المباراة!، فمن حق كل مشاهد أن يتابع المباراة على القناة التى يفضلها.. ولابد أن السيدة منى ياسين، رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، مدعوة بقوة، إلى أن تقول رأيها بصراحة، فى هذا الاحتكار العلنى من جانب تليفزيون تملكه الحكومة، فليس مقبولاً بأى صورة، أن تعلن الدولة فى كل صباح أنها تقاوم الاحتكار، ثم نُفاجأ بأنها هى نفسها تمارسه على الملأ! كان الجهاز قد دعا إلى مؤتمر دولى فى القاهرة يوم 27 أكتوبر الماضى، لمناقشة التكتلات الضارة بالمنافسة، والوقوف فى وجهها بكل حسم، ويومها، دعوت المؤتمر، إلى أن يبدى رأيه فيما كان الدكتور طارق كامل، وزير الاتصالات، قد أقدم عليه، حين حذَّر شركات المحمول فى رمضان من خفض الأسعار، وكأنه، وقتها، كان يدعوها إلى تكوين تكتل ضار بالمنافسة! بعدها فهمتُ منه، أنه لا يمكن أبداً أن يدعو إلى تشكيل تكتل من هذا النوع، وأن كلامه المنشور فى الصحف، عن الموضوع، جاء على طريقة «ولا تقربوا الصلاة»! لأن كل ما كان يدعو إليه شركات المحمول هو ألا يكون تنافسها فى خفض أسعار المكالمات على حساب المستهلك، الذى من حقه أن يحصل على خدمة ذات درجة عالية من الجودة، ولذلك، فقد كان يدعو الشركات الثلاث إلى استثمار مضاف فى بنيتها الأساسية، إذا أرادت أن تجتذب أرقاماً أعلى من المستهلكين! واليوم، نجد أنفسنا أمام حالة احتكار صارخة، من جانب التليفزيون الرسمى، ونجد أنفسنا أمام حرب دون مبرر على القنوات الخاصة، وسوف تكون مصداقية جهاز المنافسة على المحك، إذا لم يكن له رأى واضح فيما ارتكبه تليفزيون الحكومة! فالاحتكار لا يكون فقط فى الأسمنت، أو السكر، أو الأرز، وإنما يجوز جداً أن يكون فى الرياضة كما نرى، أو فى الفن، أو فى الأدب، أو فى أى حاجة لا غنى عنها للمواطن! والحمد لله أننا قد سمعنا أم كلثوم، وعبدالوهاب، وعبدالحليم، فى زمن لم يكن فيه احتكار ولا يحزنون، وكانت أصواتهم تنطلق من أى إذاعة، ومن خلال أى شاشة، دون أن نصادف كلمة «حصرى» التى صارت بغيضة على نفوس المصريين.. زمان، كان كل شىء «مصرى» ولم يكن هناك أى شىء «حصرى» وكانت أغنية واحدة لسيدة الغناء العربى، كفيلة بأن تجمع العرب تحت راية واحدة! ولكننا عشنا حتى رأينا أقلاماً يسمح أصحابها باحتكارها، لصالح منصات نشر معينة، بسبب الحرص على مصالح سوف تتوقف إذا لم يقع الاحتكار، وكأن المستهلك ليس له صاحب، ولا وزن، ولا اعتبار!.. وكأن الكاتب من هؤلاء لا يهمه إلا أن يحصل على المقابل المادى لما يكتبه، وليس مهماً بعد ذلك أن يجرى دفن إنتاجه تحت التراب فلا يقرؤه أحد! متى نتوقف عن هذا النفاق الجبان الذى يجعلنا نتكلم طول الوقت، عن مكافحة الاحتكار، ثم نمارسه!