عن الحلم نسأل ونحكى.. ليس الحلم الذى نراه فى المنام، لكنه الحلم الذى يشغلنا فى الصحو، ويجعل للحياة لونًا وطعمًا ورائحة، ويحمينا من شيخوخة القلب وذبول الروح، فالحلم هو رفيق الإنسان منذ بدء الخليقة، منذ حلم آدم بحواء تكمل نقصانه.. وبالرغم من أن كل شىء كان ميسرًا وسهلاً ومتاحًا فى الجنة، كانت رغبة حواء وأحلام آدم فى مقدمة الأسباب التى هبطت بهما لتعمير الأرض وبدء الخليقة.. كان الحلم هو المدخل الذى بدأت به حياة البشر، وكانت الرغبة هى أول قطفة من «الشجرة الممنوعة»، وكأن البشر لن يكفوا بعد ذلك أبدًا عن ارتياد المستحيل والتفكير فى «سر الغرفة 40»، واعتبار أن كل «ممنوع مرغوب». هل كان الحلم هو الخطيئة الأولى للبشر قبل أن يقتل قابيل شقيقه هابيل؟ أم أنه كان ترتيبًا إلهيًا مقدرًا لكى تبدأ حياة البشر على الأرض؟ الخالق أعلم بهذا الكائن الغامض الذى خلقه من طين الأرض ونفخ فيه من روحه ليظل يتأرجح بين الانحدار والسمو، بين السماء والأرض، بين تعبد الملائكة وعناد الشياطين. وحده الإنسان، الذى يحلم بين كل الكائنات أحلامًا أكبر وأبعد من واقعه ومن حدود جسده وعقله.. وحده ابن آدم وحواء الذى يطلق لخياله العنان، ويسعى من أجل تحويل حلمه إلى واقع ملموس.. وحده الإنسان من بين كل المخلوقات الذى يعلم علم اليقين أنه سيموت، ومع ذلك يظل يعمل ويحلم وكأنه خالد لن يموت، يغير ويتغير، ويجرب ويبحث عن الجديد والمزيد، ودائما يكون الحلم هو بطل كل تغيير، ومقدمة كل إنجاز تتوصل إليه البشرية عبر كل العصور. فالاختراعات، والثورات الكبرى لم تكن يومًا سوى أحلام راودت أصحابها قبل أن ينجحوا فى تحويلها إلى واقع. وفى هذا العدد من «طعم البيوت» نحاول أن نتذكر ونلمس ونعانق «أحلام البيوت»، لنداعب أحلام كل فرد منا، ونشاكس «كسالى الحلم»، خاصة بعد أن كشفت الشهادات التى حصلنا عليها عن تراجع الأحلام الكبيرة للوطن، وتقلص أحلام المواطن إلى رغبة فى الحصول على «رغيف خبز» أو فرصة عمل أو مسكن للزواج، وما إلى ذلك من احتياجات معيشية تنزل بالإنسان من عليائه كمتفرد فى امتلاك «أمانة العقل» إلى مجرد كائن بيولوجى كل همه الحصول على مأكل وملبس ومسكن، حتى كاد يفقد إحساسه بالحق والفضيلة والخير والجمال. فى هذا العدد من «طعم البيوت»، نستعيد قدرتنا على الحلم، ونغنى كلمات الراحل عصام عبدالله بصوت محمد منير «لو بطلنا نحلم نموت.. لو عاندنا نقدر نفوت».