قد نتفهم تصدى فريق من المحامين المصريين والألمان للدفاع عن مروة الشربينى، فالمصريون يشعرون بأن تلك قضيتهم، والألمان يريدون إظهار وجه العدالة الألمانية للعالم، ويؤكدون أن «النازية» مفهوم من تراث الماضى لم يعد قائماً. ولكن أن تجد بين صفوف فريق المحامين محامياً فرنسياً سمع عن القضية من المحامى المصرى خالد أبوبكر خلال لقائهما فى دورة تدريبية فى جامعة أوكسفورد، وأصر على الانضمام لهذا الفريق متبرعاً بأجره، رافضاً أن يتحمل أحد نفقات تنقلاته أو ما يتكلفه فى القضية، رغم أنه يعلم أنه قد لا يشعر به أحد، فهذا هو الغريب. المحامى الفرنسى «فرانسوا مينو» لا يشعر بالغرابة فى موقفه، ويوضح ل«المصرى اليوم» أنه كان يمتلك العديد من الأسباب التى دفعته لتبنى موقفه قائلاً: «كان لدى ثلاثة أسباب للدفاع عن مروة فى هذه القضية، أولها أنها جريمة قتل بشعة لضحية لا ذنب لها فى أى شىء، إنها جريمة ضد البشرية وضد حرية الفرد فى أن يقتنع بما شاء». ويضيف: «أما السبب الثانى فهو رغبتى فى أن نكون فريق دفاع دولياً عن مروة وأى فرد يشبهها فى العالم، فالجريمة كان من الممكن ارتكابها فى أى مكان آخر غير ألمانيا، وأخيراً فإننى أحسست بأن الفرصة جاءتنى كى أقف كأول محام فرنسى أمام محكمة فى دريسدن». وردد «فرانسوا» بعضاً من أبيات الشعر الفرنسى: «افهم ما تشاء، فندمى على هذه البنت التعسة التى ظلت على الرصيف، الضحية بثوبها الممزق بنظرة طفل ضائع، امرأة شابة خلقت كى تقدم لها الزهور، والآن هى مغطاة بغطاء أسود بظلمة الليل». وفى مرافعته أمام محكمة دريسدن، أكد أنه لا مبرر لقتل سيدة لطيفة ومثقفة ومسالمة جاءت لتلقى العلم هى وزوجها، لا ذنب لها سوى أنها مسلمة لم ترض عقلية شاب ك«أليكس فينز» العاطل الأمى الآتى من منطقة «بيرم» فى روسيا ذات التاريخ الدموى. ولا يعلم فرانسوا 58 عاماً أن الجزء الثانى من اسمه يحمل فى تاريخنا المصرى ذكرى القائد الفرنسى «مينو» الذى جاء مع الحملة الفرنسية وقادها فى مصر بعد رحيل نابليون بونابرت، ومقتل «كليبر» وأن «مينو» تزوج من سيدة مصرية تدعى «زبيدة» وأعلن إسلامه وعاش معها فى منزل بمدينة رشيد. فرانسوا الذى لا يعلم شيئاً عن «مينو» متزوج من سيدة سورية، ويعلم فقط كما قال «إن مروة وعلوى ورثة أعرق الحضارات فى العالم، هم ورثة بناة الأهرامات»، وأضاف: «لقد أكدت لهيئة المحكمة فى مرافعتى ذلك الفرق الهائل بين المنبع الذى جاءت منه مروة، والذى جاء منه (أليكس)، فمروة وريثة الحضارة المصرية التى كانت فى عزها حينما كنا نحن نحيا فى عصور الجهالة». وتابع: «أنا لست بمسلم ولكننى كاثوليكى بالتعلم، فقط أنا أدرك أن احترام الأديان جزء من الإيمان بها، ولذا فأنا لا أستطيع أن أجد مبرراً لإنسان يقتل آخر بهذه الوحشية التى فعلها أليكس، لقد زرت معسكرات الفلسطينيين فى لبنان، هناك حيث لا أمل فى البقاء أو فى المستقبل، ولذا أجد لهم العذر عندما يقومون بعمليات انتحارية، ولكن هذا القاتل الوحشى لا يملك أى مبرر». واستطرد: «وقد شعرت خلال فترة المحاكمة بأنه جبان غير شجاع لا يمتلك القدرة على الدفاع عن نفسه، بتلك الحركات التى فعلها فى المحكمة. والحقيقة أنا لا أعفى المحكمة من التقصير الأمنى الذى تمثل فى عدم وجود تفتيش دقيق للمتهم، كما أن القاضى لم يسارع بالضغط على ذر الإنذار عند رؤيته لهجوم المتهم على مروة، ليس هذا فحسب، بل إن المحكمة التى وقعت خلالها الجريمة تعاملت مع القضية بعدم جدية رغم معرفتهم بما يمثله المتهم من خطر على حياة تلك الفتاة الشابة». وعلى الرغم من اتهامات «فرانسوا» للمحكمة بالتقصير فإنه ينفى فكرة وجود مؤامرة مدبرة ضد مروة، مؤكداً اتجاه فريق الدفاع لرفع دعوى أخرى خاصة بهيئة المحكمة وما وجه لها من تهم بالتقصير، وأوضح أن «القانون الألمانى يحدد وجوب تحريك النيابة للشكوى، ونحن فى انتظار أن تقوم النيابة الألمانية بذلك، ولكنها لم تفعل حتى الآن، إلا أنه، وفى الوقت ذاته، لا يملكون الفرصة لرفض تلك الدعوى إن أقمناها». وأنهى فرانسوا حديثه قائلاً: «لقد شعرت بأن مروة ابنتى وتساءلت لو حدث لابنتى ما حدث لها، ماذا كان من الممكن أن يحدث لى؟ كانت حياتى قد انتهت».