مدير وكالة الطاقة الذرية يقّدر دور مصر القيادي والتزامها بمنع الانتشار النووي وتعزيز الاستقرار الإقليمي    طرح اللحوم بأسعار تبدأ من 190 جنيها وتتيح صرفها ضمن فارق نقاط الخبز    الناتو يشارك في "حوار شانجريلا 2025" ويؤكد التعاون مع شركاء المحيطين    «حكاية وذكري».. إكرامي يحتفل بكأس دوري أبطال أفريقيا    تجارة المخدرات.. تقود ربة منزل وزوجها للسجن المؤبد والمشدد 15 عام بالقناطر الخيرية    المهندس المتهم في قضية حادث خط غاز طريق الواحات: «اتصدمت لما سمعت إن الماسورة انفجرت والدنيا ولعت» (خاص)    النيابة الإدارية تحل لغز العثور على حفرة تتجاوز 4 أمتار داخل قصر ثقافة الأقصر.. التحقيقات تكشف الإهمال الصادم وتراكم مخلفات الحفر داخل المبنى.. والمعاينة ترصد غيابًا تامًا لأعمال التطوير.. صور    «رفض حضور الاجتماع وتمسك بموقفه».. القيعي يكشف كواليس رحيل معلول عن الأهلي    البحوث الفلكية: دخولنا الحزام الزلزالي لا أساس له من الصحة    رئيس وزراء بولندا يعلن أنه سيسعى إلى إجراء اقتراع بالثقة في البرلمان بعد هزيمة حليفه في انتخابات الرئاسة    شريف سلامة يكتب: رؤية اقتصادية.. التحول نحو الاقتصاد الرقمي.. أين تقف مصر؟    محمد ثروت يكشف كواليس مشاركته في «ريستارت»: الضحك رسالة الفيلم (فيديو)    «دماغهم ناشفة».. تعرف على أكثر 5 أبراج صرامة    افتتاح مؤتمر صيادلة جنوب الصعيد الأول بمحافظة قنا    عيد الأضحى المبارك 2025| نصائح لتهيئة طفلك لمشاهد الأضحية    لتعويض كاريراس؟ تقرير: بنفيكا توصل لاتفاق لضم دال    الأكشن والإثارة يسيطران على برومو فيلم في عز الضهر ل مينا مسعود    الإفتاء توضح أفضل وقت لذبح الأضحية    ذات الأذنين تظهر في رولان جاروس    مقتل إسرائيليين إثر انفجار سيارة فى منطقة جلجولية المحتلة    رومانو: الفحوصات الطبية تفصل انضمام لويس هنريكي ل إنتر    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لطلاب الثانوية العامة وتيسير الأمور.. ردده الآن    القاهرة الإخبارية: ليالٍ دامية في غزة.. الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بحق المدنيين    مدير تلال الفسطاط يستعرض ملامح مشروع الحدائق: يتواءم مع طبيعة القاهرة التاريخية    أرامكو السعودية تنهي إصدار سندات دولية ب 5 مليارات دولار    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على قرارات ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم    خالد الجندي: الحج المرفّه والاستمتاع بنعم الله ليس فيه عيب أو خطأ    الإصلاح والنهضة: 30 يونيو أسقط مشروع الإخوان لتفكيك الدولة ورسّخ الوعي الوطني في مواجهة قوى الظلام    إيساف: «أبويا علّمني الرجولة والكرامة لو ماعييش جنيه»    شرح توضيحي للتسجيل والتقديم في رياض الأطفال عبر تعليم القاهرة للعام الدراسي الجديد.. فيديو    رئيس جهاز العاشر من رمضان يتدخل لنقل سائق مصاب في حريق بمحطة وقود إلى مستشفي أهل مصر للحروق    أهم أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد يهنئ نافروتسكي بفوزه بالانتخابات الرئاسية البولندية    ديلي ميل: إلغاء مقابلة بين لينيكر ومحمد صلاح خوفا من الحديث عن غزة    رئيس الوزراء الفلسطيني يدعو لوكسمبورج للاعتراف بدولة فلسطين قبيل مؤتمر السلام في نيويورك    في رحاب الحرم.. أركان ومناسك الحج من الإحرام إلى الوداع    موعد أذان مغرب الاثنين 6 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب الواردة في عشر ذي الحجة    تعرف على محطات الأتوبيس الترددي وأسعار التذاكر وطريقة الحجز    مياه الفيوم تطلق حملات توعية للجزارين والمواطنين بمناسبة عيد الأضحى المبارك    «أجد نفسي مضطرًا لاتخاذ قرار نهائى لا رجعة فيه».. نص استقالة محمد مصيلحى من رئاسة الاتحاد السكندري    رئيس جامعة بنها: تبادل التهاني في المناسبات الدينية يؤكد التماسك    عبد الرازق يهنىء القيادة السياسية والشعب المصري بعيد الأضحى    بريطانيا: الوضع في غزة يزداد سوءًا.. ونعمل على ضمان وصول المساعدات    «صحة الاسكندرية» تعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى    يديعوت أحرونوت: وفد إسرائيل لن يذهب إلى الدوحة للتفاوض    السجن 3 سنوات لصيدلى بتهمة الاتجار فى الأقراص المخدرة بالإسكندرية.. فيديو    الهيئة العامة للأوقاف بالسعودية تطلق حملتها التوعوية لموسم حج 1446    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    للمشاركة في المونديال.. الوداد المغربي يطلب التعاقد مع لاعب الزمالك رسميا    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    السيسي: ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    وزير الثقافة: افتتاح قصر ثقافة الطفل بسوهاج يوليو المقبل    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    التضامن الاجتماعي تطلق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان المسلمون على مفترق الطرق (4-9) حق.. ولكنه ليس الوحيد

كان الإمام الشهيد يعرض شمول الإسلام بطريقة أخاذة، فأولاً كان استكشاف هذا الشمول - وأنه لا يقتصر على العقيدة والعبادة، ولكن يضم مناشط الحياة، فى وقت اقتصر فيه الحديث عن الإسلام على علماء الأزهر وأئمة المساجد - أمرًا جديدًا ويتفق تمامًا مع ما جاء فى القرآن وما طبقه الرسول، وكان مؤمناً مطبوعًا تخرج الكلمة من قلبه لتصب فى قلب السامع وتوفرت له مهارات تفعيل وتوصيل الإيمان من حفظ للقرآن والأحاديث،
وكانت له طريقة خاصة فى قراءة الآيات تعطيها حياة وقوة وتبرز إعجازها ونظمها الموسيقى، كما كان يروق له فى بعض الحالات أن «يوشى» حديثه بأبيات مميزة من الشعر تكون بمثابة «الدانتيلا» فى حديثه مثل:
لعمرك ماضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيق
أو:
من الرجال المصابيح الذين هم
كأنهم من نجوم حية صنعوا
أخلاقهم نورهم، من أى ناحية
أقبلت تنظر فى أخلاقهم سطعوا
أو:
بالشام أهلى وبغداد الهوى وأنا
بالرقمتين وبالفسطاط جيرانى
أو:
أبى الإسلام لا أب لى سواه
إذا افتخروا بقيس أو تميم
ولم يحدث أبدًا أن خطب من ورقة أو رجع إلى كتاب.. المادة كلها فى قلبه.. تجرى على لسانه دون تلعثم أو تردد.
كانت النتيجة أن المستمع لا يتمالك إلا أن يقول: هذا حق.
فعلاً.. هو حق.
ولكنه ليس الحق الوحيد.
وهذا هو ما أغفله الإخوان المسلمون.
كان لابد أن يعلموا أن للحقيقة أبعادًا عديدة، وليس بعدًا واحدًا، وأن المجتمع البشرى هو من التعقيد والثراء والخصوبة بحيث تتعدد أبعاد الحقيقة، ويختلف كل بُعد عن الآخر لأنه يجلى جانبًا يتطلبه المجتمع ويكون مختلفاً ومتميزًا، ولكنه لا يضاد الأبعاد الأخرى، بمعنى أن لكل بُعد طبيعته الخاصة، وهدفه الخاص، ووسيلته الخاصة التى يهدف بها لإشباع إحدى حاجات المجتمع، ولا يكون كل منها مضادًا، ولكن مكمل، ومن هذه الأبعاد ما لا يكون له أى علاقة بالدين، ومنها ما يكون له علاقة «حرجة».
والفكرة المسيطرة على الإسلاميين جميعًا بمن فيهم الإخوان المسلمون أن الإسلام فيه كل شىء، وأنه يغنى عن أى شىء آخر، ولعل هذه الفكرة تطرقت إليهم من فكرة «التوحيد»، ولكن فاتهم أن التوحيد مقصور على الله، وعندما نثبت وحدة الله بطريقة النفى فنقول «لا إله إلا الله»، فإننا قصرنا الوحدة عليه ونفيناها عما عداه، وبالتالى فلابد أن يكون المجتمع الإسلامى مجتمعًا متعددًا، وهو ما يتنافى مع القول بأنه لا يوجد إلا البعد الإسلامى، وقد يكون أهم هذه الأبعاد ولكنه موصول بالله، ولكن يظل مع هذا بُعدًا واحدًا من أبعاد عديدة.
ويقول المنفتحون إن القرآن أشار إلى هذه الأبعاد، أو حتى تقبلها، أو أمر بها، ولكن هذا لا يكفى لأن هذه الأبعاد لم ترزق وجودها من سماح الإسلام لها أو إقراره لها، فهذا أو ذاك لا يكفى، فهذه الأبعاد تكتسب أهميتها من أنها تشبع جوانب فى المجتمع لا ترتبط ضرورة بالدين، وأنه سواء كان هناك ارتباط أو غيره، فمن حقها أن يكون لها وجودها الخاص المتميز عن الدين.
خذ مثلاً العلوم البحتة كالحساب والرياضات والهندسة.. إلخ، التى هى قاعدة جانب ضخم من جوانب تقدم المجتمع، إنها لا تمت للدين بصلة، إن (1+1=2) هو أمر لا يمكن للدين أن يخالفه أو يتدخل فيه، وأهميته بالنسبة لحياة المجتمع لا حد لها، لأن عليها تقوم كل الرياضيات العليا.
كنت أقرأ وصية «نوبل» وإشارته إلى توزيع جوائزه فى الفيزياء.. والكيمياء.. والطب.. والفن.. والسلام.. وكان معنى هذا أن المجتمع الحديث يتقدم بقدر تقدمه فى الفيزياء والكيمياء والطب، وهذه كلها مجالات علمية بحتة تعتمد على العقل، وعلى التجربة، ولا علاقة لها بالأديان.
فإذا كان تقدم المجتمع الحديث يعتمد فى جانب كبير منه على الفيزياء والكيمياء، أو الطبيعة والفلك والطب والرياضيات، فإن هناك جانبًا آخر هو الفنون والآداب التى تشبع حاجة فى نفس الفرد وطبيعة المجتمع لا تقل عن حاجته إلى العلوم، والمفروض أن الفنون والآداب تمثل الطبيعة البشرية كما جبلها الله، والنفس الإنسانية وما ألهمها الله من فجور وتقوى، ولا جدال أن فيها ما يشيع القيم النبيلة مثل الحب.. والجمال.. والخير.. والمساواة،
كما أنها من ناحية أخرى تشيع نوعًا من المتعة لسماع الصوت الجميل الشجى، واللحن المتقن الذكى، ورؤية مشاهد الجمال فى المجتمع وفى الطبيعة، ومن أكثر صور الفنون نفاذاً أو تأثيرًا فى المجتمع «المسرح» ويمكن لها أن تكون مدرسة تعمل للإصلاح بصورة غير مباشرة،
فالمسرح رواية يمكن أن تؤثر كرواية تقرأ، ولكنها تمثل ففيها حياة ويمكن خلال موضوعها وبالحوار أن تعالج قضايا مثل المرأة، ومثل المساواة، إن رواية «المرأة لعبة الرجل» لإبسن، كانت دعوة لتحرير المرأة أكثر نفاذاً من أى دعوة تدعو مباشرة وبوسيلة الخطاب المباشر، كما كانت «كوخ العم توم» تهيئة للمجتمع الأمريكى لتحرير العبيد.
إن القول إن هناك فناً هابطاً لا يعود بالدرجة الأولى إلى الفنون نفسها، ولكن للقول بأن فى المجتمع فئات تشبع هذه الفنون الهابطة نفسيتها المريضة، وقد يعود هذا إلى تربية فاسدة، أو إلى خلل فى المجتمع، فإذا كان هناك عيب أو نقص فهو هذا الوجود الذى يجب أن يعالج بالرجوع إلى أسبابه الحقيقية، ولكنه إذا ظل فسيتطلب فناً يتلاءم معه طبقاً لمبدأ «لكل ساقطة لاقطة»، ولا يكون النقد حينئذ موجهًا إلى الفن، لأن هذا الفن رد فعل، «ولكل فعل رد فعل»، ولا مناص من ذلك، ولأنه إشباع لحاجة موجودة بالفعل.
لا يريد الإسلاميون أن يفهموا أن مجتمع المسلمين مجتمع بشرى يسرى عليه ما يسرى على البشر، وأن كونهم مسلمين لا يعنى مخالفة للطبيعة البشرية، فهذا أمر لا يمكن ولا هو مطلوب، ولكن الإصلاح يكون بتعزيز مناعة ومقاومة الإنسان المسلم فى مواجهته.
لقد اعترف القرآن الكريم اعترافاً ضمنيًا بهذا الجانب واعتبره «من حرث الدنيا» أو «من العاجلة»، ولم يفرض وصاية معينة، ولكن ترك الأمر فيها لله يوم القيامة، وإن صرح بأن النار مثوى لأصحابه، وكان يمكن التأويل بأن جعل الحساب نتيجة لوزن السيئات مقابل وزن الحسنات، ولأن الله تعالى يمكن أن يصل بالحسنة إلى سبعمائة ضعف،
كما أنه يتجاوز عن كثير من الذنوب، وأن رحمته تسع كل شىء، ولكن الأمر لا يقف عند القرآن، فإن لفيفاً ممن يريدون إرهاف الحاسة الإيمانية وضعوا أحاديث توقع عقوبات شنيعة على كل من يقرب الفنون كأن يصب فى آذانه الآنك «وهو الرصاص المصهور» إذا سمع الموسيقى، وأن يكلف المصورون بإحياء ما رسموه.. إلخ .
ومع أن هذه أحاديث موضوعة، فإنها اكتسحت الفكر الإسلامى وأثرت تأثيرًا طاغيًا على المجتمع بحيث أصبح ضد الفنون، وأصبح التطبيق الشرعى الكلاسيكى للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تدمير المعازف وتحطيم أوانى الخمر.
لابد أن يفهم الإسلاميون أن وجود الفنون والآداب كلها الرفيعة والهابطة هو إحدى صور التعددية التى لابد منها فى المجتمع والتى يتقبلها الإسلام على أساس أن توحيد الله يستتبع التعددية فيما عداه، وعليهم أن يسلموا بأن الفنون والآداب لا يمكن الحكم عليها بمعايير إسلامية، لأن الطبيعة والوسيلة والهدف مختلفة فيها عن الطبيعة والوسيلة والهدف فى الإسلام.
والأمر لا يقف عند العلوم البحتة، أو الفنون والآداب، إن الفلسفة تكشف بُعدًا من أبعاد الحقيقة يقارب بُعد الدين ولكنه يستخدم العقل ويقف عند وجود الله، ووجودها يعزز موقف الدين.. لا يخالفه.
وهناك كل أفانين النهضة بالصناعة.. والزراعة.. والتجارة، كما أن هناك الرياضة البدنية والألعاب الرياضية، وهذه كلها لابد أن يكون لها كيانات مستقلة تعمل لتحقيق أهدافها بوسائلها.
من هذا يتضح أن ما قدمه الإمام حسن البنا، وهو أسمى ما يمكن أن يصل إليه الإسلاميون، ليس إلا بُعدًا واحدًا من أبعاد عديدة، وأن الإيمان بأنه كل شىء أمر يخالف طبائع الأشياء، وأن مجتمعًا لا توجد فيه العلوم والفنون جنبًا إلى جنب الدين، لَهُو مجتمع يعجز تمامًا عن أن يفى بمقتضيات وضرورات المجتمع الحديث.. هو مجتمع فقير.. جاف.. محروم من الجمال.. محروم من الحرية التى تتأتى من تعدد الأبعاد.
[email protected]
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.