قضى توفيق دياب فى لندن 5 سنوات أو يزيد قليلاً، شكلت هذه الفترة النصف الأول من عشرينياته ولم يفارقه التمرد هناك أيضاً، فقد بدت على الشاب علامات التمرد، فقد ذهب زملاؤه كما سبقهم ولحقهم آخرون للحصول على الشهادات العليا من الجامعات الأوروبية، ليعودوا إلى وطنهم لاحتلال الوظائف الرفيعة والمكانة العالية، وهو ما لم يفعله صاحبنا، وكان الشاب خلال فترته اللندنية أشبه بالنحلة التى تحط على الزهرة التى تجتذبها، فتمتص منها ما شاءت لها رغبتها من رحيق، صحيح أنه عندما راسل «الجريدة» ظل لفترة غير قصيرة يلحق باسمه وصف «من قسم السياسة والاقتصاد» جامعة لندن «إلا أنه قضى فى ذلك القسم فترة قصيرة، وتردد بعدئذ على سائر كليات الجامعة، فدرس ما راق له من الأدب والفلسفة والروحانيات والتاريخ وفن الخطابة، وأفاد منها جميعاً بعد عودته إلى الوطن، واحترافه لكل من الصحافة والخطابة واندمج فى المجتمع الطلابى المصرى هناك، كما اتصل بالمجتمع الإنجليزى وراقبه عن كثب، وروى فيما بعد القصص عن تأثير هذا الاندماج فى نفسه. اهتدى فى النهاية إلى الشىء الذى خلقه له ربه على حد تعبيره وهو: أن يكون خطيباً ومعلماً للخطابة فى مصر، وهو أمر غير موجود بها، وذهب توفيق دياب إلى أعظم أساتذة هذا الفن لندرته، فامتحنوه فى الإلقاء والصوت وقرروا، بالإجماع، أنه لو اشتغل بهذا الفن لكان عظيماً فيه، وفى 1914 عاد دياب إلى بلاده بعد أكثر من 5 سنوات فى حافلة بالتمرد، فقد ذهب إلى لندن قاصداً نيل شهادة فى الاقتصاد، وعاد منها ومعه شهادة فى الخطابة، وفى أعقاب عودته توجه إلى قريته سنهوت، وهناك اعتكف فى صومعة بأحد الحقول، لما يقرب من عامين، أنهى بعدها اعتكافه وشد الرحال إلى العاصمة فى 1916، وفى القاهرة بدأ يلقى خطبه كل يوم جمعة فى إحدى الكنائس، ثم استأجر مسرحاً لإلقاء سلسلة من المحاضرات الثقافية والاجتماعية مقابل 5 قروش رسم دخول، ولقيت محاضراته إقبالاً شديداً، وكانت القاعات تمتلئ عن آخرها، وذاع صيته، الأمر الذى دفع الجامعة الأمريكية إلى تنظيم سلسلة محاضرات له فى قاعة إيورت، ثم طلب منه أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، أن ينضم إلى الجامعة الأهلية وقدمه إلى صديقه وكيل الجامعة آنذاك سعد زغلول. عاد توفيق دياب من لندن ولكن لم يقتصر نشاطه على الخطابة، وخاض معترك الصحافة والسياسة.