لعل التوقيت الذى أعلن فيه السيد المستشار عبدالمجيد محمود رفع الحصانة عن 14 نائبا بمجلسى الشعب والشورى، فى قضية «قرارات العلاج على نفقة الدولة» ونحن على أعتاب انتخابات برلمانية ورئاسية،واستجابة الدكتور فتحى سرور لطلبه دون تردد إنما يحملان أكثر من دلالة، أولاها ما يؤكد استقلال منظومة القضاء المصرى وسيادتها على كل أبناء الشعب وأنه ليس هناك أحد تعلو هامته على القانون.... ثانيتها، أن هذه المنظومة الموقرة تنأى بنفسها عن جميع التوجهات السياسية وأهدافها وأنها لا تفرق بين تيار سياسى وآخر بصرف النظر عن المعركة الانتخابية التى تكاد تطرق الأبواب وأن غايتها وهدفها الوحيد هو صون ثروات هذا الوطن وحماية حقوق أبنائه، ثالثة هذه الرسائل موجهة للعابثين والساعين لإيجاد الطرق لنهب أموال هذا البلد من خلال سلطة أو منصب أو جاه - وأنأ هنا لا أخص السادة النواب بعينهم الذين لهم منى ما يستحقونه من الاحترام وخاصة أن أمر إدانتهم من عدمه هو شأن لا يحق لأحد سوى القضاء أن يخوض فيه - هذه الرسالة مفادها أن القيادة السياسية سرعان ما تكشف ألاعيبهم وحيلهم التى يبتكرونها من وقت لآخر بغية الوصول لمصادر كسب غير مشروعة وأنها لا تتوانى عن الكشف عن هذه المظاهر دون اعتبار لمصالح سياسية أو حزبية أو انتخابية. كل هذا متفق عليه.. لكن اسمحوا لى أن تكون لى قراءة مختلفة للأمر، عندما طالعت الخبر على صفحات الجرائد، قلت فى نفسى نعم الفساد موجود مادام البشر موجودين، تختلف حدته من مكان لمكان حسب الظرف المحيط بالإنسان إلا أنه دوما موجود أينما وجد. ودعونا هنا نتعامل مع المسألة بعيدا عن الحادثة وشخوصها لنستطلع بعض المعطيات التى قد تفسر أشياء عديدة.. إذا ما نظرنا لتوزيع ونسب النواب حسب الوارد فى طلب لرفع الحصانة لاستطعنا قراءة مؤشر مهم للغاية، يتألف مجلس الشعب من 444 عضوا يمثلون 222 دائرة انتخابية بالإضافة للمعينين العشرة ووفقا لما ورد بطلب رفع الحصانة فعدد المطلوبين من جماعة الإخوان هو 6 نواب من عدد 88 نائبا أى بنسبة تبلغ 6.8% بينما النسبة فى الوفد تبلغ 7.1% بواقع 1 من 14 نائباً وتتراجع لدى المستقلين البالغين 54 عضوا لتكون 1.8% بينما لا تتجاوز ال2% إلا بقليل بين أعضاء الحزب الوطنى (هذه النسب قياسا على عدد أعضاء مجلس الشعب المصرى وتوزيعهم الحزبى فى دورة انعقاده الحالية). وفى نفس السياق، ولأن مسألة العلاج على نفقة الدولة تعتبر أحد الالتزامات المترتبة على حق المواطنة فإن الأمر لابد ألا يؤخذ برمته كى لا يختلط الحابل بالنابل، فحق المواطن سواء كان وزيرا أو غفيرا فى العلاج يجب ألا يتضرر من تبعات هذه الحادثة، وقد يكون العلاج داخل الوطن أو خارجه إن استدعت الحاجة، وتحضرنى وقائع عديدة لمواطنين تطلبت حالاتهم المرضية العلاج بالخارج لأسباب مختلفة وقد نالوا هذا الحق، كما يجب ألا نتعامل بحساسية لو أن مواطنا بدرجة وزير تم علاجه بالخارج إن تعذر علاجه داخليا ومن هؤلاء الوزير المتفانى فى خدمة مصر – والمظلوم دائما- دكتور يوسف بطرس غالى الذى أعلم تمام العلم أنه كان قد أجرى عمليات عدة لعلاج عينيه بالداخل ولم تحقق النتائج المرجوة مما اضطره للتوجه لعلاجها للخارج وهو حق مكفول له كمواطن مصرى قبل أن يكون وزيرا فى الصف الأول فى معركة النهوض بموارد مصر الاقتصادية، كما هو متاح لسين أو صاد من الناس طالما أنهم يتمتعون بحمل جنسية هذا الوطن وتستدعى حالاتهم ذلك. أعزائى القراء.. ما أردت التوصل إليه من خلال تحليلى المتواضع لنسب وتوزيع الأعضاء المعنيين بهذه القضية، باعتبارها عينة عشوائية، مفاده أننا لسنا فى مجتمع ينقسم لملائكة وشياطين وأن عالم السياسة مختلف تماما عن روحانيات الأديان، وأن الكل سواء إذا ما ارتبط الأمر بشؤون الدنيا، وعندئذ يكون الجميع سواء.