هو من بعيد.. مواطن مصرى مسالم يؤدى وظيفته بأفضل شكل ممكن ثم يعود إلى بيته ولا شأن له بما يجرى فى الدنيا من حوله.. لكن الاقتراب منه يكشف عن الوجه الحقيقى لمقاتل شرس ضد الفساد فى مصر.. أتحدث عن المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى استحق فى أوقات كثيرة سابقة وحالية أن يكون ضمير هذه الأمة.. رقيبها والمكلف من أهلها بالسؤال والتفتيش والمحاسبة.. رجل لم يثبت عنه أنه على استعداد ليهادن أى فساد.. لا يخشى أحدا ولا يجامل مسؤولا أو حكومة على حساب الناس.. ربما لأنه لا يزال حتى الآن مجرد واحد من الناس فلم يدركه رغم منصبه ومسؤولياته الثراء المفاجئ، ولا ثبت عنه استسلامه للرفاهية المتوحشة التى يتطلب الدفاع عنها أحيانا دماء الفقراء وأحلامهم.. وقد جاءت الآن اللحظة المناسبة ليعرف الناس فى مصر أن المستشار جودت الملط هو أملهم الحقيقى ورهانهم الأخير لإنقاذ الرياضة فى بلادهم وانتشالها مما غرقت فيه من فساد وإثم وفجور.. فالجهاز المركزى للمحاسبات يقوم بشكل دائم بمراقبة أعمال وأرقام وحسابات كل الهيئات الرياضية فى مصر، ويعد تقارير رسمية تخص هذه الهيئات وما شاب إدارتها من قصور أو خطأ وإهمال أو حتى فساد، وبهذه التقارير ينتهى دور الجهاز المركزى ورئيسه وموظفيه.. وهذه هى المشكلة أو أزمة الرياضة فى مصر.. فغالبا تضل هذه التقارير طريقها فتخرج من الجهاز ثم لا تصل أبدا إلى أى مسؤول، ولا ترى النور أبدا بعد ذلك، اللهم إلا بمحض المصادفة وعلى سبيل المفاجأة والحظوظ، مثل التقرير الخاص بملاحظات وانتقادات لاتحاد كرة القدم.. وهو التقرير الذى تحول بسرعة إلى مستند رسمى فى يد النائب رجب هلال حميدة ليتقدم به باستجواب تحت قبة البرلمان، ثم أصبح مادة إعلامية شديدة الثراء لكل الشاشات وأوراق الصحف لتتحدث عن فضائح اتحاد الكرة.. أى أنه باختصار بات تقريرا جاهزا وحاضرا لكل من يطلبه ومن يحتاج إليه لمعرفة الحقيقة، ولكل من يريد المحاكمة أو قطع الرقاب.. وهو شىء رائع جدا أن تكون هناك تقارير وتفتيش ومحاكمة تجرى فى النور وعلى الملأ.. لكن المشكلة تبقى فى تلك التقارير التى تخص بقية الاتحادات الرياضية والأندية فى مصر.. أين تقاريرها، ولماذا لا تصل إلى الناس والإعلام، ولماذا لا تخرج كلها إلى النور؟ أنا أعرف أن تقارير الجهاز المركزى ليست تحقيقات قضائية وليست أحكاما نهائية، إنما هى ملاحظات تستوجب الرد عليها وتلزم كل هيئة أو مؤسسة بالدفاع عن نفسها فى مهلة زمنية محددة قبل أن تتحول تلك الملاحظات إلى اتهامات جنائية أو تنتهى بقرارات إدارية بحل مجلس الإدارة.. ولكننى أتساءل فقط: لماذا لا يصبح الإعلام وكل الناس شركاء فى تتبع مسار كل تقرير يخص أى جهة أو هيئة رياضية؟ وقتها لن يكون الإعلام قضاءً موازياً يصدر أحكامه بالإثم أو البراءة.. وإنما سيكون فقط شعاع النور الكاشف الذى معه لا يمكن أن يضل أى تقرير طريقه حتى محطته الأخيرة، ولن تبقى هناك أى فرصة لأى تعاون أو اتفاق بين مسؤولى الهيئة أو المؤسسة وبين أى موظف داخل الجهاز المركزى.. وأؤكد لكم أننا بذلك سنبدأ، ولأول مرة، حربا حقيقية ومؤثرة ضد كل وأى فساد رياضى فى مصر. [email protected]