من الأزمات التى تشغل الرأى العام حاليًا أزمة نقص أنابيب البوتاجاز وسوف نحاول تحديد السبب الحقيقى لتكرار هذه الأزمة وهل يمكن مواجهته، فلقد اعتدنا التعايش مع الأزمات فلا يمر شهر دون أزمة وطوابير خاصة فى السلع المدعمة والتى يستهلكها محدودو الدخل (الخبز، بنزين 80، أنابيب البوتاجاز) أو ارتفاع أسعار سلع أخرى مثل السكر والأرز أخيرًا، وتظل وسائل الإعلام المختلفة ترصد الظاهرة من خلال الضيوف وكل له وجهة نظر فى أسبابها، ونظل هكذا حتى يصاب الجميع بالملل أو يتعود الجمهور على التعايش مع الأزمة أو تنفرج مؤقتًا وينتقل الجميع إلى جدول الأعمال الممتلئ بالمشاكل والأزمات لنتحدث فيها ثم بعد فترة تعود نفس الأزمة لتطل علينا من جديد لتعاد نفس المسرحية بكل فصولها، وهكذا لا نتعلم كيف نقضى على أزمة مما نواجهه. هذا عن تكرار الأزمة ولكن ما هى أسبابها، هناك التعليل الرسمى وهو أن أصحاب مزارع الدواجن ومصانع الطوب يستخدمون هذه الأنابيب نظراً لرخص سعرها وهو تفسير غير منطقى فهذه المزارع والمصانع تعمل منذ سنوات وإذا كانت تستهلك هذه الأنابيب فهذا يحدث منذ زمن فلماذا ظهرت الأزمة الآن؟ أما القول بأن السبب يرجع إلى تجار السوق السوداء فيرد عليه بأن ذلك هو نتيجة للأزمة وليس سببًا لها فمن الطبيعى ومع نقص المتاح من أى سلعة أن يظهر من يحاول استغلال الظرف بالتربح خاصة فى ظل ضعف تطبيق القانون والاقتصار على الحديث عن توفير مفتشى تموين لمراقبة المستودعات وهو ما يفتح مجالاً آخر للفساد، وهناك تفسير لزيادة الاستهلاك صرح به أحد المسؤولين وهو أن الفلاحين أصبحوا لا يستخدمون «الجلة» والقش فى طهى طعامهم وهو يوضح المستوى العلمى للمسؤولين فى مصر الذى يرغب أحدهم فى أن يستمر الفلاحون فى استخدام أدوات العصور الوسطى. فى اعتقادى أن السبب الحقيقى لتكرار أزمة أنابيب الغاز هو أن البوتاجاز اللازم لتعبئة الأنابيب يتم استيراده، والحكومة وفق ترتيب أولويات إنفاقها لا ترغب فى توفير الاعتمادات المطلوبة لذلك وبالتالى يقل المعروض وتظهر الطوابير والسوق السوداء، ولسان حال الحكومة يقول أزمة تمر ولا تدفع الحكومة المزيد لاستيراد ما يوفر احتياجات الفقراء ويكفيهم ما تدفعه الحكومة من دعم لأسطوانة البوتاجاز. كما أن الحكومة تستفيد من هذه الأزمة التى ينكوى بها الفقراء فقط، فعلى المدى القصير وفرت الحكومة المبالغ التى كانت ستخصصها لاستيراد ما يلزم لتعبئة اسطوانات البوتاجاز، وفى الوقت نفسه يتعود المستهلك على دفع ثمن أعلى للحصول على الأنبوبة والذى وصل (كما تقول الصحف) فى بعض المناطق إلى 40 جنيها وبالتالى عندما تقدم الحكومة فى خطوة تالية على زيادة سعر الأنبوبة وتوفرها فى المستودعات يفرح الفقراء لهذا العطف الحكومى ويقتطعون من دخلهم القليل ما يوفر لهم الأنبوبة بالسعر الجديد وهم يشكرون الحكومة على أنها رحمتهم من ضياع الوقت فى الطوابير والمشاجرات ودفع ثمن أعلى. ثم يلى ذلك خفض استهلاك البوتاجاز عن طريق الكوبونات التى بدأت الحكومة فى الحديث عنها، مع ملاحظة أنه فى ظل توافر الأنابيب كانت ستظهر معارضة شديدة لنظام الكوبونات الذى يخصص أنبوبة واحدة للأسرة شهرياً ولكن مع ظهور الأزمة الحالية فسيتقبل الجميع الكوبونات التى تحل لهم مشكلة الحصول على أنبوبة بالسعر المدعم وبعدها تفرج كما يقول التعبير الشائع. وإذا كانت هناك رغبة حقيقية فى مواجهة الأزمات فلابد من إعادة النظر فى أولويات الإنفاق الحكومى وطريقة حساب الدعم وقد يكون نظام الكوبونات من أفضل الوسائل لتوفير السلع المدعمة بشرط ألا يستخدم كوسيلة لتوفير النفقات إنما كوسيلة عادلة لتوفير احتياجات الفقراء. [email protected]