«لا أرغب فى الدخول فى تفاصيل حياتى الصحية.. المشوار طويل.. وعلى أن أتقبله بنفس راضية مرضية، وأن أشكر الله فى السراء والضراء.. فليس أمامى طريق آخر لمشوار غيره، لكى أسلكه، وسوف يؤيدنى الله بنصر من عنده»، آخر كلمات باح بها عن مكنون ألمه، رافضا أن تراق عليه عبرات التعاطف، فيفقد قسوته فى مهاجمة المفسدين، أو يفيض معين الشفقة لفارس أبى النزول عن صهوة جواده، فيترفع المظلومون عن بث شكواهم إليه رحمة به، فتضيع حقوقهم، وتزيد معاناته. رغم 52 عاما، جاد بها القدر على مجدى مهنا، إلا أنه استطاع أن يبنى عالمه الخاص، فمنذ بداياته المبشرة فى «روزاليوسف» – إبان مجدها – بدا وكأن ثمة صحفى نابه يخطو لصنع مدرسة صحفية جديدة، تحقيقه الذى نشر فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى حول سرقة أراضى الدولة يؤكد هذا، وبمرور الوقت لمع اسمه أكثر فى بلاط صاحبة الجلالة، حتى حدث الشقاق الأكبر فغادر صفحات روزاليوسف – التى بقى على ذمتها «نظريا» حتى وفاته – لينضم إلى كتيبة « الأهالى»، ويبقى رغم ذلك على توجهه الشخصى بعيدا عن التلون والمداهنة. وفى العام 1984، يبدأ مهنا مرحلة جديدة إثر انضمامه للكتابة فى جريدة الوفد، لسان حال الحزب الليبرالى الذى يحمل الاسم نفسه، ويبزغ نجمه أكثر بعدة تحقيقات صحفية – تميزت بها الوفد آنذاك – ويبدأ مشروعه الشخصى «فى الممنوع» مقالا يوميا، يتحول فيما بعد إلى برنامج إسبوعى على قناة «دريم» الفضائية، وخلال 18 عاما قضاها فى الوفد، ترأس تحرير الجريدة، قبل أن يخلعه من منصبه رئيس الحزب -المخلوع فيما بعد – نعمان جمعة. وكأنه مكتوب عليه التنقل ما بين اليمين واليسار والوسط، وبميلاد «المصرى اليوم»، التى اتفق مؤسسوها أن تكون جريدة محايدة، تنحاز لقرائها فقط، وقع الاختيار على مجدى مهنا ليكون أول رئيس تحرير لها، إلا أن التجربة لم تحقق النجاح المرجو منها، فانسحب مفسحا المجال لآخرين، رافضا أن ينال أى مقابل مادى عن جهوده. كانت معاركه التى يخوضها ببسالة محارب، وجلد قديس، هى لغزه الأكبر، فلم يحاول استغلاله لتضيف إلى أرصدة شهرته، ولا الاتجار بثقة وتكالب البسطاء طمعا فى مساعدته لينصب نفسه «فتوة الناس الغلابة»، وإن كانوا هم نصبوه ومنحوه هذا اللقب، ولم تكن ساحته كمحارب محلية فقط، ولعل البعض يذكر يوم منعته السلطات السورية من دخول دمشق، بسبب المقالات التى كتبها ينتقد فيها سوريا. كان مجدى هو الأخ الأصغر لأربعة أشقاء، رحل الأب وهو صغير السن، فتكفلته الأم برعاية خاصة، ردها إياها عندما فضلت أن تعيش فى بيته بعدما تقدم بها العمر مفضلة إياه على أبنائها المتبقين حتى توفاها الله قبل خمس سنوات تقريبا، ووارها التراب فى صمت، وهى التى علمته بفصاحتها وحكمتها أن يكون مقداما لا يخاف فى الحق لومة لائم. كان سمحا ببساطة، تراه مرتديا جلبابه الأبيض، قاصدا مسجد «مستورة» بالمقطم – محل إقامته - ليصلى الجمعة، ويعود إلى منزله ليقضى بقية يومه مع أسرته، وفى المساء يرتاد مقهى كوكب الشرق والسكرية ونجيب محفوظ، ويشاركه فى الغالب الناقد الفنى طارق الشناوى والفنان عمرو عطوة. استمرت الحياة على هذا المنوال، حتى صارحه طبيبه المعالج عام 2006 بحاجته إلى زراعة كبد، فآلامه التى تحامل عليها وصلت إلى مرحلة تفوق طاقة البشر، وبعد أشهر بدا وكأن الزراعة وحدها لا تكفى، فاضطر إلى التداوى بالعلاج الكيماوى، وازدادت الحالة سوءا، وازداد صبرا ورغبة فى إخفاء آلامه وتحمل نفقات علاجه بنفسه، حتى بات الأمر وكأنه قد أعطى كل المقدمات لرحيله،وفى مساء الثامن من فبراير عام 2008، جاء نبأ رحيل فارس الصحافة المصرية والعربية مجدى مهنا، ليسدل الستار على حياة واحد من أكثر من أثروا الحياة الصحفية المصرية بتحليلاتهم الموضوعية والشيقة، والذى يعد من القلائل الذين لم يطل سمعتهم أى طاعن أو شتام، بل إن كل من هاجمهم وقفوا يوم رحيله ليصلوا عليه ويودعون خصما شريفا نبيلا، ولتستقبل قرية «سنتماى» بمدينة ميت غمر، التى احتضنت قدومه عام 1957، جسده ليدفن إلى جوار أمه وأخويه.