تختلف حكومة نتنياهو عن حكومة سلفها إيهود أولمرت، فى درجة عنصريتها وعدوانيتها، لذا تجاوزت حكومة نتنياهو أغراض سلفها فى حرب «الرصاص المصبوب» على قطاع غزة «27/12/2008- 18/1/2009». لقد كان ضمن أغراض حكومة أولمرت من تلك الحرب تكسيح المقاومة الفلسطينية، وبوجه خاص «حماس»، ولم يكن الإجهاز على «حماس» وارداً فى حسابات حكومة أولمرت، أساساً، لرغبة هذه الحكومة فى إبقاء الانقسام الفلسطينين على حاله، بما يسمح لإسرائيل باللعب على التناقضات بين الطرفين الفلسطينيين المتصارعين، فضلاً عما استمرأت الحكومة الإسرائيلية ترديده عن عدم وجود طرف فلسطينى تفاوضه، لكنها مجرد ذريعة، والطرف الفلسطينى يفاوض إسرائيل فى جولات عقيمة، لم تستفد منها إلا إسرائيل، على مدى ما يقرب من ثمانى عشرة سنة! كما كان ضمن أغراض حكومة أولمرت من تلك الحرب العمل على رفع منسوب كل من حزبى «كاديما» و«العمل»، فى الانتخابات التى جرت فى فبراير «شباط الماضى»، لكن الرأى العام الإسرائيلى- الموغل فى يمينيته وعدوانيته- لم يرق له التكسيح دون الاجتثاث. فالتقط نتنياهو تلهف الاجتثاث، ليرفع منسوب شعبية حزبه «الليكود»، بشلالات من الدم الفلسطينى، خاصة أن اللعب على التناقضات الفلسطينية- الفلسطينية قد استنفد أغراضه، وغدا تعامل إسرائيل مع مجموعة عباس- فياض الورقة الرابحة، خاصة بعد أن وافقت تلك المجموعة على استئناف المفاوضات مع إسرائيل، بعد أن كان عباس قد أعلن «5/11 الماضى» رفضه التام لاستئنافها، إلا بعد التوقف التام للاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية. أما اختيار قطاع غزة، دون أى من الجبهتين السورية و للبنانية، فلأن فى القطاع يمكن لإسرائيل تحقيق نصر رخيص، سريع، وسهل، مقارنة مع أى من الجبهتين المذكورتين، وهو نصر غدت إسرائيل فى أمس الحاجة إليه. إلى ذلك فالحرب المتوقعة لن تتأخر عن مارس/ آذار القادم، حيث ستنعقد فى ليبيا القمة العربية، التى تبشر بترطيب العلاقات العربية- العربية، وأقله هدنة عربية- عربية. أما زيارة نبيل شعث، على رأس وفد رفيع المستوى من «فتح» إلى غزة، لفتح حوار مع قيادة «حماس»، فلها ثلاثة أغراض رئيسية، أولها تجاهل قيادة «حماس» فى دمشق، والتعامل مع قيادتها فى غزة، مما يوسع شقة التعارضات البادية للعيان بين «حماس» الداخل، و«حماس» الخارج، وهى تعارضات منتظرة بين فريق يده فى النار، والآخر يده فى الماء البارد، أما الغرض الثانى للزيارة فيتمثل فى تخدير «حماس»، وإسكاتها عن حضور رئيس الوزراء الفلسطينى، سلام فياض، مؤتمر هرتزليا الإسرائيلى، وإعلان رئيس السلطة، محمود عباس تراجعه عن وقف المفاوضات مع إسرائيل، حتى دون أن توقف نشاطها الاستيطانى، وما إن يتحقق هذا الغرض، حتى يتوقف الحوار بين الطرفين الفلسطينيين، بعد أن تكون جماعة عباس «عملت اللى عليها» إزاء «حماس» فى غزة، وبالتالى «تستاهل حماس اللى يجرى لها»! صحيح أن تصريح وزير الدفاع الإسرائيلى، إيهود باراك «2/2» الخاص باقتراب توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، قد حدث، لكنه لصرف الأنظار فى الاتجاه الخطأ. وبعد، فإن هجمة «الرصاص المصبوب» لم تكن إلا مجرد «بروفة» أخيرة، فى انتظار أن تتم حكومة نتنياهو مهمة سلفها، بعد أن جرى تحجيم دور النظام السياسى العربى، والظهير الإيرانى، والمحافل الدولية، والرأى العام العالمى، الأمر الذى سيفيد كثيراً حكومة نتنياهو. عندها يصبح «تقرير جولدستون» فى خبر كان!