كان لظهور الميكروفون فى مصر وفى حياة المطربين، وبالأخص أم كلثوم، قصة طريفة رواها المؤرخ الموسيقى كمال النجمى فى كتابه «مطربون ومستمعون» قال فيه إن منيرة المهدية ماتت وفى نفسها حسرة من الميكروفون، عاشت الثلاثين سنة الأخيرة من عمرها حاقدة على الميكروفون، عدوها اللدود الذى سرق منها سلطنة الطرب، وكانت تعتقد أنه لولا ظهوره لظلت سلطانة الطرب إلى الأبد، وقبل اختراعه، كان المطربون يقفون مباشرة أمام الآلاف من الجماهير بلا أى إمكانات صوتية إضافية، وكانت منيرة المهدية صاحبة أعلى وأوسع صوت فى عهدها «عهد السرادقات» وكانت تغنى فى الأفراح والليالى الملاح على ألوف المستمعين فلا يجد الجالسون مشقة فى تلقى صوتها والاستمتاع به، وفجأة ظهر هذا الاختراع وجاء إلى مصر على استحياء، وفى البداية خيل إلى المطربين والمطربات ذوى الأصوات المدوية أنهم فى غنى عنه، وأنه مجرد تقليعة سرعان ما ستختفى، وفى ذلك الوقت كانت منيرة المهدية وأم كلثوم وعبدالوهاب وصالح عبدالحى وفتحية أحمد ونجاة على وعبداللطيف البنا يمتلكون أعلى الأصوات وأوسعها مساحة، ومما يروى عن أم كلثوم فى عام 1932 أن إحدى المحطات الأهلية وضعت الميكروفون أمام أم كلثوم، فغضبت ولوحت به بعيدا عن المسرح، وقال جمال النجمى إنه لا نظير لصوتها حينما تغنى بلا ميكروفون. وأشار إلى أنها خلال عام 1937 كانت تحيى حفلا فى سرادق ضخم فى أسيوط، على مسرح سينما مكشوفة، وكان صوتها يصل بوضوح إلى خارج السينما، ذلك أن الميكروفون بعد ذلك لم يعد كونه حلية صناعية يمكن أن تستغنى عنه لأن الفضل الحقيقى للميكروفون على أم كلثوم يكمن فى أنه جمع كل العرب من المحيط إلى الخليج حول صوتها عبر الإذاعة، لتصبح الشىء الوحيد الذى يلتف العرب حوله، فيما وصفته منيرة المهدية بأنه يقف أمام المطرب مثل مبسم الشيشة، وذلك فى الوقت الذى لعب فيه الميكروفون دوراً تاريخياً فى توثيق التراث الصوتى الخالد لكبار الكتاب والمفكرين والمشايخ والمطربين والمطربات ولولا هذه الذكرى الفكرية والصوتية الخالدة لأنكرها علينا آخرون.